أكدت ورقة بحثية، بعنوان "انهيار سد النهضة.. هل يحصن السيسي من المسئولية السياسية؟" أن الكارثة والنقطة المفصلية في مسار مفاوضات سد النهضة التي بدأها العسكر في 2014، كانت بتوقيع السيسي، ونظيره السوداني السابق عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلي ديسالين، في العاصمة السودانية الخرطوم، وثيقة “إعلان مبادئ سد النهضة” التي عُرفت إعلاميًا باسم “اتفاق المبادئ” في مارس 2015، وهي الوثيقة التي منحت أديس أبابا الضوء الأخضر لبناء السد، كونها اعترافًا رسميًا بموافقة القاهرة على هذا المشروع.
ومع ترديد الإعلام المحلي نغمة انهيار السد طبيعيًا بعد تكاثر الزلازل في المنطقة توصلت الورقة إلى "بناء السد يعد قنبله موقوتة ستنفجر في وجه الشعب المصري عاجلاً أم آجلاً وستصبح الزراعة أمرًا في غاية الصعوبة في ظل نقص معدلات المياه، وسنضطر إلى استيراد أبسط المزروعات مما سيفاقم أزمات الديون والاحتياج إلى دولارات لتغطية احتياج المواطن إلى أبسط السلع، وفي ظل تخاذل حكومة السيسي أصبحت مصر هي اليد الأضعف في كل الملفات الإفريقية..".
وأنه في أعقاب "اتفاق المبادئ"، "بدأ الإثيوبيون الترويج لمشروعهم والحصول على الدعم الدولي المطلوب لتمويل بنائه، والذي كان يشترط موافقة دولتي المصب: مصر والسودان لمنح الحكومة الإثيوبية التمويل اللازم، أي أن تلك الوثيقة كانت “الهدية” التي قدمتها مصر لإثيوبيا لتمرير أكبر مشروع في تاريخها الحديث، وفي نفس الوقت المستند الرسمي الذي لا يمنح المصريين حق الاعتراض على هذا المشروع.".
وأشارت إلى أن السيسي حاول متأخرًا "تحسس خطواته وتحركاته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما ورط الدولة والشعب ووضع أمنهم المائي على المحك، فبدأ في طرق باب المجتمع الدولي، تارة على أعتاب الولايات المتحدة، وأخرى لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكنها المحاولات التي كانت أقرب للاستجداء، لأن الموافقة المصرية في 2015 أنهت الأمر مبكرًا، وأوصدت الأبواب أمام أي محاولة لتدارك الأمر".
وأوضحت أنه "منذ 2015 وحتى اليوم، ويعزف المفاوض المصري على أوتار القانون الدولي واللوائح الخاصة باتفاقيات مياه النيل، لكنها الأوتار التي لم يصغ لها الإثيوبيون الذين لم يرفضوا الهدية الثمينة التي قدمها لهم النظام المصري بقيادة السيسي، وانخرطوا في سباق مع الزمن لإنهاء مشروعهم القومي الذي بات ينظر إليه آبي أحمد وحكومته على أنه مسألة حياة أو موت بالنسبة له في ظل صراع النفوذ مع المعارضة داخليًا".
ورأت أنه أمام هذا المشهد تبنى النظام المصري خطابًا شعبويًا هشًا، حاول من خلاله وعبر أذرعه الإعلامية التقليل من الكارثة التي ارتكبها بتوقيعه على اتفاقية المبادئ، ومنح أديس أبابا الوقت الكافي لإتمام المشروع، عبر استراتيجية التسويف والدبلوماسية الناعمة، حتى التهديدات التي باتت تصدر عنه بين الحين والآخر، تعاملت معها الحكومة الإثيوبية من باب الشو والاستعراض وامتصاص غضب الشارع المصري دون أي رد فعل يتناسب وحجم تلك التهديدات.
تمدد إماراتي في الخاصرة المصرية
وقالت الورقة إن هذه الأزمة في المياه صنعتها "إسرائيل" وتتوسع الامارات في تعميق الأزمة، عبر مشاريع استثمارية في سد النهضة، ومشاريع زراعية كبرى، تروي من مياه النيل، في إثيوبيا، واضعة سلطاتها وأموالها إلى جانب إثيوبيا، في مواجهة مصر، التي تتضرر بشدة من سد النهضة.
وفي فترات عدة، مارست الإمارات وساطات منحازة بين مصر وإثيوبيا، وكانت أحد الأسباب الخفية في فشل المفاوضات..
وأشارت إلى أنه إلى جانب الإمارات وإسرائيل، تدعم الكثير من القوى الدولية الإجراءات الإثيوبية في مواجهة مصر، كونها موقعة على اتفاقية مشتركة، وهو ما يتفق مع سياسات الوهن المصري، في مواجهة إثيوبيا، المنطلقة في مشروعاتها الزراعية الكبرى.
عجز عن حماية الأمن القومي
وبين الفينة والأخرى، يثير الإعلام المصري الأحاديث عن احتمالات انهيار سد النهضة الإثيوبي، مركزين على تقارير وأنباء الزلازل التي تضرب إثيوبيا، وهو اتجاه قد تغذيه الأجهزة الأمنية التي تتمنى حلاً للأزمة الكارثية التي يمثلها السد على مستقبل حياة المصريين، في ظل تقصير أجهزة النظام وعجزها عن حماية الأمن القومي المصري، آملين في حل يأتي من الطبيعة، دون جهد بشري من النظام المفترض فيه حماية الشعب المصري.
وقالت إن الرهان المصري على انهيار السد يعد ضربًا من العجز العسكري والسياسي المصري، قد لا يحدث أساسًا، مالم تتحرك مصر بقوة نحو إحقاق حقوقها المعترف بها تاريخيًا، وإنسانيًا منذ عقود من الزمن..
وقالت الورقة إن الكثير من الباحثين والدوائر العلمية الموثوقة تستبعد، انهيار السد على إثر الزلازل، اذ جرى اتباع الكثير من معامل الأمان الهندسي في بناء السدود، ويرون احتمال انهيار السد، ضعيف جدًا يكاد أن يكون معدومًا، خاصة أن النشاط الزلزالي في إثيوبيا يبعد أكثر من 560 كيلو مترًا عن موقع بناء السد.