في التاسع من إبريل عام 1912، لم تكن السلوم مجرد مدينة حدودية تقع على هامش الخريطة، بل كانت ورقة مهمة على طاولة المفاوضات الدولية، حين شهد هذا اليوم لحظة فارقة في التاريخ الجغرافي والسياسي لمصر، بانضمام المدينة رسميًا إلى السيادة المصرية بموجب اتفاق تاريخي بين قوتين استعماريتين: بريطانيا التي كانت تحتل مصر، وإيطاليا التي بسطت سيطرتها على ليبيا.

وبين السياسة والجغرافيا، وبين صراع القوى الدولية وتوزيع النفوذ في شمال إفريقيا، وُلدت السلوم كمدينة مصرية، لكنها لم تفقد أبدًا ملامحها الحدودية، ولا دورها الاستراتيجي الذي ظل ممتدًا عبر قرن من الزمان.

 

مفترق طرق بين الشرق والغرب

السلوم، تلك المدينة الصغيرة الواقعة على الساحل الشمالي الغربي لمصر، لا تبدو كبيرة على الخريطة، لكنها كانت وما زالت واحدة من أبرز البوابات البرية بين مصر وليبيا. على مساحة تقدر بنحو 35 كيلومترًا مربعًا، تتبع المدينة إداريًا محافظة مطروح، وتبعد نحو 215 كيلومترا عن عاصمتها مرسى مطروح.

ويقدّر عدد سكان السلوم بنحو 11 ألف نسمة، يعمل معظمهم بالصيد، ويقطنون في مناطق تتوزع بين سهل ساحلي ضيق وهضبة تطل على الخليج. ووراء هذا الامتداد الجغرافي المحدود، تكمن أهمية استراتيجية كبرى.

 

معركة خرائط: من جغبوب إلى السلوم

جاء انضمام السلوم إلى مصر نتيجة اتفاق جغرافي سياسي بامتياز. فبينما تنازل الإنجليز عن واحة جغبوب الواقعة في الجنوب لصالح إيطاليا، حصلوا في المقابل على مدينة السلوم لمصر. وبذلك أُعيد رسم الحدود بين ليبيا ومصر بطريقة تخدم مصالح الاحتلال البريطاني، لكنها في الوقت ذاته أدرجت السلوم ضمن الأراضي المصرية بشكل رسمي.

ورغم أن الصفقة تمت بين محتلين، فإنها كانت بمثابة نقطة تحوّل في ترسيم الخريطة المصرية، وجعلت من السلوم جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية المصرية، بعد أن ظلت لسنوات منطقة رمادية بين حدود قبلية، وجغرافيا تتداخل فيها النفوذ.

 

المدينة التي قاومت... وساعدت الثوار

لم تكن السلوم مجرد بوابة عبور، بل شهدت على مرّ تاريخها محطات بارزة من المقاومة والنضال. ففي أربعينيات القرن الماضي، اندلعت على أرضها واحدة من معارك الحرب العالمية الثانية، حين دارت رحى القتال بين قوات الحلفاء ودول المحور، ونجحت الأخيرة آنذاك في طرد البريطانيين حتى منطقة العلمين.

لكن الوجه الأبرز في تاريخ السلوم النضالي كان دعمها لثوار ليبيا، وعلى رأسهم المجاهد عمر المختار. فقد كانت المدينة محطة تموين أساسية للمجاهدين الليبيين أثناء كفاحهم ضد الاحتلال الإيطالي، بما وفرته من طرق إمداد ومخابئ طبيعية وهضاب محمية.

 

أهمية مستمرة في قلب الصحراء

اليوم، وبعد مرور 113 عامًا على انضمامها إلى مصر، ما زالت السلوم تحافظ على خصوصيتها كمدينة حدودية، تلعب دورًا محوريًا في ضبط الحدود الغربية، وتتحول في أوقات الأزمات إلى نقطة عبور حساسة، سواء لحركة البضائع أو للاجئين.

كما لا تزال المدينة تواجه تحديات اقتصادية وتنموية، وسط مطالب بزيادة الاهتمام بالبنية التحتية، وتحسين الخدمات العامة، واستغلال موقعها في تنشيط التجارة العابرة بين مصر وليبيا.