ممدوح الولي

خبير اقتصادي ورئيس نقابة الصحفيين الأسبق

 

في الوقت الذي يفرض فيه الرئيس الأمريكي ترامب رسومًا جمركية على نحو 185 دولة بالعالم بنسبة 10%، ترتفع إلى 25% على كندا والمكسيك والنسبة نفسها للصلب والألومنيوم والسيارات من دول العالم، وارتفاع الرسوم على السلع الصينية إلى 145%، بزعم استغلال تلك الدول للولايات المتحدة حين تحقق فائضا تجاريا معها، ترتب عليه بلوغ العجز التجاري السلعي الأمريكي 1.2 تريليون دولار بالعام الماضي.

فإنه لا أحد يواجه الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة بالمقابل تحقق فائضا تجاريا خدميا، مع دول العالم منذ عام 1971 بلا انقطاع، أي قبل ظهور العجز الأمريكي السلعي وخلاله، وهو الفائض الذي ظل يرتفع تدريجيا ليبلغ 295 مليار دولار بالعام الماضي.

وإذا كانت التجارة السلعية تتعلق بالسلع التي يمكن وزنها أو قياس كميتها كالقمح والحبوب والبترول والسيارات والأدوية وغيره، فإن التجارة الخدمية تتعلق بالسياحة وخدمات النقل بأنواعه والاتصالات والخدمات التعليمية والصحية والمالية والثقافية، وغيرها.

وجاء هذا الفائض الأمريكي الخدمي مع تصدر الولايات المتحدة أرقام الصادرات والواردات والتجارة الخدمية منذ سنوات أمكن رصدها منذ عام 2000 وحتى العام الماضي، بينما احتلت الصين المركز الرابع دوليا بالتجارة الخدمية بعد بريطانيا وألمانيا بالعام الأسبق، وإذا كانت الولايات المتحدة تحقق فائضا بتجارتها الخدمية فإن الصين تحقق عجزا خدميا مستمرا منذ عام 1995.

وتشير بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي لتجارة الولايات المتحدة الخدمية بالعام الماضي، لبلوغ المتحصلات من الخدمات من دول العالم 1 تريليون و107 مليارات دولار، مقابل 812 مليار دولار للمدفوعات الخدمية الأمريكية لبلدان العالم.

 

خدمات الأعمال أعلى من الدخل السياحي

وتوزعت المتحصلات ما بين 215 مليار دولار من السياحة و191 مليارًا من الخدمات المالية، و144 مليارًا من رسوم استخدام الملكية الفكرية و103 مليارات من خدمات النقل بأنواعه، و79 مليارًا لخدمات الاتصالات والكمبيوتر والمعلومات و31 مليارًا للخدمات الحكومية، و28 مليارًا لخدمات التأمين و26 مليارًا للخدمات الشخصية والثقافية والترفيهية، و20 مليارًا لخدمات الصيانة والإصلاح و2 مليار لخدمات البناء، بخلاف 268 مليار دولار لخدمات الأعمال الأخرى.

وداخل تلك الأنواع الإحدى عشرة للمتحصلات الخدمية، فقد تضمنت إيرادات السياحة البالغة 215 مليارًا، خدمات سياحة شخصية 173 مليارًا منها 56 مليارًا تتعلق بالسياحة التعليمية التي تخص إنفاق الطلاب الأجانب الدارسين بالجامعات الأمريكية، وهي الجامعات التي تتعرض حاليا لضغوط من الإدارة الأمريكية بسبب المواقف الطلابية تجاه حرب غزه ببعضها، وقيام الإدارة الأمريكية بترحيل بعض هؤلاء الطلاب، الأمر الذي يشير لإمكانية الضغط عليها بتحويل جانبا منهم لجامعات بدول أخرى.

وتوزعت إيرادات الخدمات المالية البالغة 191 مليار دولار، ما بين 68 مليارًا من خدمات الإدارة المالية و43.5 مليارًا من رسوم بطاقات الائتمان، و32 مليارًا من رسوم تحويل الأموال إلكترونيا وإقراض الأوراق المالية، و26 مليارًا للوساطة المالية و8 مليارات للاستشارات المالية و3 مليارات لخدمات الاكتتاب في الأوراق المالية، وهو ما يبين قدر المكاسب التي تحققها الولايات المتحدة من استخدام شعوب العالم لبطاقات الائتمان الأمريكية، وأهمية إيجاد بدائل لها لدى الشعوب التي تئن من المظالم الأمريكية.

وتوزعت رسوم استخدام الملكية الفكرية البالغة 144 مليار دولار، ما بين 70 مليارًا لتراخيص استخدام نتائج البحوث والتطوير و38 مليارًا لتراخيص إعادة إنتاج برامج الحاسب أو توزيعها، و30 مليارًا من تراخيص الامتياز والعلامات التجارية مثلما يحدث مع تراخيص استخدام العلامات التجارية الأمريكية للمطاعم وغيرها من محال البيع للسلع أو ما يسمى الفرنشايز، و6 مليارات لتراخيص إعادة إنتاج وتوزيع منتجات سمعية وبصرية تتعلق بالمسلسلات ونحوها.

 

دخل النقل الجوي أضعاف النقل البحري

وتضمنت إيرادات خدمات النقل البالغة 103 مليارات دولار، 78 مليارًا من النقل الجوي و20.5 مليارًا من النقل البحري و5 مليارات من وسائل النقل الأخرى، وتكونت إيرادات خدمات الاتصالات والكمبيوتر والمعلومات البالغة 79 مليار دولار، من 58 مليارًا لخدمات الكمبيوتر و11.5 مليارًا لخدمات المعلومات و10 مليارات لخدمات الاتصالات.

وتوزعت خدمات التأمين البالغة 28 مليارًا ما بين 22 مليارًا من إعادة التأمين، وأقل من 3 مليارات للتأمين المباشر ومثلها لخدمات التأمين الإضافي، كما تضمنت إيرادات الخدمات الشخصية الثقافية والترفيهية البالغة 26 مليار دولار، ما بين 22 مليارًا للخدمات السمعية البصرية وحوالي 1 مليار للخدمات الفنية، ولهذا قام الجمهور الصيني مؤخرا بمقاطعة الأفلام الأمريكية بدور السينما، أو على المنصات الإلكترونية المدفوعة كوسيلة للتعبير عن غضبهم من الرسوم العالية التي فرضتها الولايات المتحدة على سلع بلادهم.

وتوزعت خدمات الأعمال الأخرى البالغة 268 مليار دولار، ما بين 164 مليارًا من الخدمات المهنية والإدارية كالخدمات القانونية والهندسية والبيئية وغيرها، و54 مليارًا لخدمات البحث والتطوير و50 مليارًا للخدمات التقنية والتجارية، الأمر الذي يوضح المكاسب الكبيرة التي تحققها مكاتب الاستشارات الأمريكية من المنطقة العربية، سواء كانت من خلال خدمات مباشرة أو من خلال مكاتب شركائها الموجودة بالبلدان العربية.

وعلى الجانب الآخر من الصورة للتجارة الخدمية الأمريكية فقد بلغت مدفوعات الخدمات الأمريكية بالعام الماضي 812 مليار دولار، والتي توزعت ما بين 178 مليار دولار للسياحة الأمريكية الخارجة من البلاد، و154 مليارًا لخدمات النقل التي تحصل عليها الطائرات والسفن الأمريكية بموانئ الدول الأخرى، و74 مليارًا لخدمات التأمين و61 مليارًا للخدمات المالية التي تتم بالخارج.

و60 مليارًا لخدمات الاتصالات والكمبيوتر والمعلومات و58 مليارًا لخدمات استخدام الملكية الفكرية للغير، و35 مليارًا للخدمات الشخصية والثقافية والترفيهية و26 مليارًا للخدمات الحكومية للدول الأخرى، و7 مليارات لخدمات الصيانة والإصلاح و2.5 مليار لخدمات البناء والتشييد و156 مليار دولار لخدمات الأعمال الأخرى لصالح بلدان العالم.

 

86 مليارًا فائض رسوم الملكية الفكرية

وتشير المقارنة بين إيرادات فروع التجارة الخدمية الإحدى عشر ومدفوعاتها، لتحقيق سبعة فروع فائضا مقابل تحقيق أربعة فروع عجزا، لتسفر المحصلة النهائية عن فائض بلغ 295 مليار دولار، وكانت أعلى الفوائض بالخدمات المالية بقيمة 130 مليار دولار، وخدمات الأعمال الأخرى التي تتجه للاستشارات المهنية والإدارية والتجارية 111 مليارًا، ورسوم استخدام الملكية الفكرية 86 مليارًا والسياحة 37 مليارًا، وخدمات الاتصالات والكمبيوتر والمعلومات 19 مليارًا وخدمات الصيانة والإصلاح 13 مليارًا والخدمات الحكومية 5 مليارات دولار.

أما فروع التجارة الخدمية الأربعة التي حققت عجزا، فتصدرتها خدمات النقل بقيمة 50 مليار دولار حيث زادت نفقات كل من خدمات الطيران والنقل البحري عن إيراداته، وعجز 47 مليارًا بخدمات التأمين بسبب كبر حجم عمليات إعادة التأمين بالخارج عما يتم داخل البلاد، وعجز 9 مليارات بالخدمات الشخصية والثقافية والترفيهية بسبب البذخ في الإنفاق على الترفيه، و381 مليون دولار عجزا بخدمات البناء والتشييد.

وهكذا تشير إيرادات فروع التجارة الخدمية الأمريكية الضخمة لتعدد مجالات المقاطعة، التي يمكن أن تمارسها الشركات والأفراد بالبلدان العربية والإسلامية، تعبيرا عن استنكارهم للموقف الأمريكي الداعم لإبادة شعب غزة والضفة الغربية، أما خريطة التجارة الخدمية الأمريكية مع دول العالم وأبرز دول الفائض فسوف تكون موضوع المقال المقبل.