تُشكّل الإيرادات الضريبية الدعامة الأساسية التي يرتكز عليها هيكل الموازنة العامة لحكومة السيسي، وتكتسب هذه الإيرادات أهمية متزايدة، لا سيما في الموازنة الجديدة المُزمع بدء العمل بها في منتصف العام الحالي.
وفي هذا السياق، كشفت الحكومة عن ارتفاع غير مسبوق في حصيلة الضرائب فاق نسبة 40%، الأمر الذي يجعلها تستأثر بما يزيد عن 83% من إجمالي الإيرادات المتوقعة في موازنة 2025-2026، مؤكدةً بذلك دورها كمصدر رئيسي لموارد الدولة.
هذا النمو، الذي وصفته الجهات الحكومية بأنه "تاريخي"، يطرح تساؤلات حول ما إذا كان ناتجًا عن تحسن في كفاءة عمليات التحصيل وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب، أم أنه يعود إلى زيادة الأعباء المفروضة على المواطنين والقطاع الخاص في ظل مسار الإصلاحات الاقتصادية الراهن.
توسيع أم زيادة الضرائب؟
يُعد توسيع القاعدة الضريبية الشغل الشاغل لحكومة السيسي، التي تركز جهودها بشكل أساسي على تحفيز الامتثال الطوعي لاستقطاب ممولين جدد، وأكد وزير المالية أحمد كجوك على هذه الأولوية، موضحًا أن الهدف من زيادة أعداد الممولين هو تعزيز قدرة الدولة على تقديم المزيد من التيسيرات لجميع الأطراف.
وزادت الإيرادات الضريبية 38.4% خلال الفترة بين يوليو وفبراير إلى 1.234 تريليون جنيه، من 892 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام المالي السابق، وفق هذا التفصيل:
- زادت حصيلة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 39% لتسجل 573 مليار جنيه.
- قفزت إيرادات الضريبة على السلع بنسبة 54.3% لتبلغ 327.6 مليار جنيه.
- ارتفعت قيمة الضريبة على الخدمات بنسبة 34.8% لتصل إلى 76.6 مليار جنيه.
فجوة تمويلية قياسية
وعلى الرغم من نمو الضرائب زادت الفجوة التمويلية في مشروع موازنة العام المالي المقبل بأكثر من 25% لتصل إلى 3.6 تريليونات جنيه، والتي تضمنت:
- إيرادات مستهدفة: 3.1 تريليونات جنيه.
- المصروفات المتوقعة: 4.6 تريليونات جنيه.
- العجز المتوقع: 1.5 تريليون جنيه لا يشمل أقساط الديون.
وفي موازنة السنة المالية الجديدة 2025/2026، الذي يبلغ إجمالي استخداماتها 6.761 تريليونات جنيه، تم تخصيص 64.8% منها للإنفاق على الفوائد، التي تقدر بنحو 2.3 تريليون جنيه، وسداد القروض، الذي يبلغ نحو 2.08 تريليون جنيه.
تمويل العجز
تخطط وزارة المالية لتغطية عجز الموازنة من خلال إصدار أدوات دين محلية جديدة بقيمة 2.2 تريليون جنيه تتضمن:
- أذون خزانة: بقيمة 2.2 تريليون جنيه.
- سندات خزانة: بنحو 928.9 مليار جنيه.
وتعتزم الوزارة إصدار سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار على الأقل خلال العام المالي المقبل، وذلك في إطار برنامج لإصدار سندات دولية بقيمة 8 مليارات دولار.
إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية على عدد من السلع
وأرجع رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فخري الفقي، الزيادة الملحوظة في حصيلة الضرائب إلى "حزم تشريعية جديدة وتفعيل الميكنة والفاتورة الإلكترونية، وإلغاء إعفاءات كانت ممنوحة لقطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية والجيش".
وأشار في حديث للجزيرة نت إلى أن الحكومة طبقت تسهيلات ضريبية وجمركية من دون فرض أعباء إضافية على المواطنين، متوقعًا أن تقود ضريبة القيمة المضافة (14%) البالغة 1.1 تريليون جنيه إيرادات الدولة المستهدفة البالغة 2.6 تريليون جنيه في العام المالي المقبل.
وكشف الفقي عن توجه حكومي لإلغاء بعض الإعفاءات الضريبية الحالية المطبقة على نحو 57 سلعة وخدمة بهدف تعزيز الإيرادات، بالإضافة إلى بعض السلع والخدمات المشمولة بضريبة الجدول (ضريبة تفرض بنسب خاصة أو بقيم محددة) فقط وذلك لتغير الظروف التي استدعت تلك الإعفاءات سابقًا.
وتضم تلك القائمة سلعًا وخدمات مثل السكر والشاي واللبن والبيض والأسماك وخدمات التأمين والتعليم والنقل البري والصحة وغيرها.
وتشكل حصيلة الضرائب نحو 83.4% من إجمالي الإيرادات المتوقعة البالغة 3.1 تريليونات جنيه في موازنة العام المقبل.
سياسة ضريبية غير عادلة
ينتقد رئيس وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مستقلة) وائل جمال إهمال الحكومة معالجة ضعف الضرائب المفروضة على الأثرياء وتركيزها على زيادة الضرائب على الاستهلاك، معتبرا ذلك عبئا ثقيلا على المواطنين يأتي على حساب تبني إصلاحات اقتصادية جذرية.
ويقول في تعليق إن الزيادة الكبرى جاءت من ضريبة القيمة المضافة التي شهدت قفزة غير مسبوقة، بالإضافة إلى زيادات عديدة في الرسوم، مضيفًا أن تركيز الحكومة على زيادة ضرائب الاستهلاك (السلع والخدمات) يأتي في وقت لا تزال فيه الموجات التضخمية مرتفعة وتزيد من حدة الأسعار، مما يشكل عبئًا إضافيًا على المواطنين.
ويضيف جمال أن الحكومة تترجم توسيع القاعدة الضريبية على أنها مد للضرائب إلى سلع إضافية معفاة مثل فرض ضريبة على السكر للمرة الأولى في الموازنة الجديدة، بدلا من معالجة الخلل في الهيكل الضريبي الذي يجعل ضرائب الشركات (باستثناء هيئة البترول وقناة السويس) ضعيفة جدًا.
ويوضح أن تحويل الأعباء إلى أصحاب الدخول الأقل من خلال زيادة ضرائب الاستهلاك، في ظل ضعف الضرائب المهنية وعلى الثروة والممتلكات والعقارات التي يفترض أن يدفعها الأغنياء، هي خيار سياسي سهل للحكومة نظرًا لضعف التنظيم النقابي لهذه الشرائح مقارنة بنفوذ رجال الأعمال. ويرى أن هذه السياسة تزيد من حدة الفقر وعدم المساواة في ظل وضع اقتصادي سيئ بالفعل.