يواجه نحو ألفي عامل بشركة النصر للأصواف والمنسوجات الممتازة بالإسكندرية «ستيا» حرمانًا فعليًا من التأمين الصحي، رغم استمرار استقطاع قيمة الاشتراكات من رواتبهم شهريًا، ما دفعهم مؤخرًا إلى طرق أبواب مجلس الوزراء والنقابة العامة ودوائر البرلمان، بحثًا عن علاج أصبح في غير متناولهم.
 

مأمورية بدون عمل.. وتأمين بدون تغطية
   منذ قرار دمج «ستيا» ضمن خطة تطوير شركات الغزل والنسيج المملوكة للدولة عام 2021، لم يعد عمال الشركة إلى أماكنهم، بل حصلوا على "مأموريات دون عمل" مدفوعة الأجر، بانتظار نقلهم رسميًا للعمل في مقر شركة كفر الدوار.
فيما تُركت الإدارة لتدير العمل الإداري من مبنى النادي التابع للشركة، كانت البلدوزرات قد أزالت بالفعل آخر مباني "ستيا" في فبراير الماضي.

لكن الانهيار الحقيقي لم يكن في المباني، بل في المنظومة التأمينية التي أصبحت عبئًا على العمال بدلًا من أن تكون مظلة تحميهم.
 

استقطاع شهري.. وخدمة منقطعة
   في مارس الماضي، فوجئ العمال برفض مستشفيات التأمين الصحي استقبالهم، مطالبين بتحديث شهري للبيانات لحين تسوية المديونية المستحقة من الشركة القابضة للقطن والغزل لصالح هيئة التأمين الصحي، رغم استمرار استقطاع قيمة الاشتراك من مرتباتهم دون انقطاع.

أحمد نصر، الرئيس السابق للجنة النقابية بشركة «ستيا»، أكد أن هذه المديونية حرمت العمال من حقوقهم العلاجية الأساسية، مشيرًا إلى أن الشكاوى الجماعية التي تقدم بها العمال دفعت النقابة العامة للتدخل، ليصرح رئيسها عبد الفتاح إبراهيم في 9 مايو بأن الخدمة ستعود ابتداءً من 11 مايو.
 

تدخلات برلمانية.. وحلول مؤقتة
   لم تكن النقابة وحدها من تحرك؛ فقد أعلنت النائبة إحسان شوقي، عضو مجلس النواب، إعادة إدراج عمال الشركة ضمن منظومة التأمين الصحي بعد تقديمها طلب إحاطة ناقشته لجنة القوى العاملة أواخر أبريل.
وفي اليوم نفسه، أصدرت الهيئة العامة للتأمين تعليمات بتجديد البطاقات التأمينية شهريًا، لحين سداد المديونية المتأخرة، لكن هذا الإجراء المؤقت لم يحلّ جوهر الأزمة.
 

عمال في مواجهة المرض.. بلا غطاء
   "احتباس بول ومفيش خدمة".. هكذا لخص أحد العمال معاناته بعد رفض مستشفى جمال عبد الناصر استقباله إلا بعد تحديث بياناته.
اضطر العامل إلى دفع ثمن التذكرة كبقية المواطنين غير المؤمن عليهم، ليتم تركيب قسطرة مؤقتة له، فيما تنتظره عملية لا يملك تكلفتها.

يشير العامل إلى سلسلة معقدة من الإجراءات البيروقراطية اللازمة لتحديث بيانات البطاقة: "برنت من التأمينات، استمارة من العيادة، ختم من الشركة، ثم العودة للتأمين.. وكل ده وأنا شايل القسطرة؟".
ويضيف بنبرة حزن وغضب: "إحنا ذنبنا إيه؟ الفلوس بتتخصم أول بأول.. إحنا مش بناخد مرتباتنا كاملة أصلاً".
 

أين تذهب الأموال المقتطعة؟
   نادية فوزي، الموظفة بالشركة منذ أكثر من عقدين، قالت إن الخصومات الشهرية للتأمين تصل في حالتها إلى 460 جنيهًا، بينما يدفع آخرون حتى 700 جنيه، ومع وجود قرابة 2000 عامل، تطرح فوزي سؤالًا مشروعًا: "الفلوس دي بتروح فين؟".

وتحمّل إدارة الشركة القابضة المسؤولية، مؤكدة أن المديونية المتراكمة بلغت نحو 11 مليون جنيه، ولم تُسدَّد حتى الآن، رغم استمرار الاقتطاع من أجور العاملين.
 

مأزق أوسع من «ستيا»
   تكشف أزمة «ستيا» هشاشة النظام الإداري داخل بعض شركات القطاع العام، إذ يطرح المشهد تساؤلات حول غياب الرقابة على أموال التأمين، وازدواجية الجهات المسؤولة بين وزارة قطاع الأعمال وهيئة التأمين الصحي.

الأزمة تمس شريحة كبيرة من العمال كبار السن، ممن يعتمدون بشكل شبه كامل على خدمات التأمين والعلاج الشهري، في ظل ارتفاع أسعار الدواء والخدمات الصحية.
ومع غياب حلول جذرية، يواجه هؤلاء خطرًا مضاعفًا: الإقصاء من سوق العمل، والحرمان من الرعاية الصحية.
 

في انتظار المحاسبة والإصلاح
   لا تزال أزمة عمال «ستيا» تبحث عن حل نهائي، لا يعتمد على المسكنات الشهرية أو التدخلات البرلمانية الموسمية، بل يتطلب مساءلة واضحة للجهات الممتنعة عن توريد اشتراكات التأمين، وإعادة النظر في طريقة إدارة شركات القطاع العام.

ففي بلد تتآكل فيه القدرة الشرائية ويعاني فيه المواطن من تراجع في الخدمات الأساسية، تصبح خسارة مظلة التأمين الصحي ليست مجرد خلل إداري، بل اعتداءً صريحًا على حق الإنسان في العلاج.