فجّرت تصريحات مصطفى مدبولي، رئيس حكومة عبدالفتاح السيسي، حول أزمة البنزين الأخيرة موجة واسعة من الانتقادات والشكوك، بعدما ألقى باللوم على "نسبة كبريت مرتفعة" في شحنة بنزين قال إنها تسببت في أعطال بمحركات سيارات المواطنين، وهو ما نفته مصادر متخصصة بشكل قاطع، ووصفت روايته بأنها «غير منطقية ومستحيلة فنيًا».
وخلال المؤتمر الحكومي الأسبوعي، قال مدبولي إن الأزمة تعود إلى "شحنة بعينها" وردتها إحدى شركات التكرير، احتوت على نسبة كبريت أعلى من المعتاد، ما أدى إلى أعطال، وأكد أن الجهات الرقابية اتخذت الإجراءات القانونية بحق الشركة والمعمل المسؤولين، وفق توجيهات مباشرة من عبد الفتاح السيسي.
لكن خمسة مصادر مطلعة على صناعة التكرير، من بينهم مسؤولون حكوميون سابقون وحاليون، رفضوا بشكل قاطع تحميل "الكبريت" مسؤولية الأعطال المفاجئة التي أصابت السيارات، معتبرين أن ما جرى هو محاولة لتصدير أزمة فنية غير قائمة، بغرض التغطية على أسباب حقيقية تتعلق بالرقابة والإهمال في مراحل التوزيع.
الكبريت لا يُعطّل السيارات
أحد المصادر وصف تصريحات رئيس الوزراء بأنها "بيان سياسي وليس فني"، وأوضح أن ارتفاع نسبة الكبريت في البنزين لا يؤدي إلى أعطال مفاجئة في طلمبة البنزين، بل إلى أضرار تراكمية على مدى سنوات، أبرزها تآكل أجزاء من المحرك وزيادة الانبعاثات الملوثة، مثل ثاني أكسيد الكبريت، الذي يضر بالبيئة أكثر من المحرك نفسه.
وأكدت المصادر أن البنزين الذي يحتوي على نسبة كبريت عالية لا يمكن أن يتسبب في هذه الأعطال المفاجئة إلا إذا استُخدم لفترات طويلة، وهو ما لا ينطبق على "شحنة واحدة" كما زعمت الرواية الحكومية.
السردية لا تصمد
وأشار خبير بترولي إلى أن معامل التكرير المصرية الكبرى، مثل المصرية للتكرير (ERC) وميدور، تُنتج البنزين عبر وحدات عالية التقنية، قادرة على معالجة نسب الكبريت في النفط الخام المصري، المعروف بتفاوت معدلات الكبريت فيه من منطقة لأخرى.
كما أكد أن حدوث خلل في شحنة واحدة من أصل إنتاج يومي يتجاوز 200 ألف برميل يعد أمرًا "غير منطقي فنيًا ولوجستيًا"، لأنه يفترض أن الشحنة مرت بكل مراحل الفحص والمطابقة قبل ضخها في السوق.
هل كانت اتهامات مدبولي موجهة لـ«المصرية للتكرير»؟
تضمنت تصريحات مدبولي إشارات إلى "معمل مستقل غير تابع للدولة"، وهو ما دفع مصادر من داخل الهيئة العامة للبترول للربط بين حديثه وشركة المصرية للتكرير التابعة لمجموعة القلعة، رغم أن الهيئة تمتلك 20% من أسهمها، ولكن مصدرًا مقربًا من الشركة نفى تمامًا علاقتها بالشحنة محل الأزمة، وأكد أنها لم تكن تورد للهيئة في هذا التوقيت.
وتُنتج «ERC» بنزين 95 عالي الجودة، وتعيده إلى شركة القاهرة لتكرير البترول لإجراء الفحص النهائي، تحت إشراف الهيئة، وهو ما يجعل سيناريو توريد شحنة غير مطابقة أمرًا صعبًا للغاية، خاصة أن البنزين الملوث يتم كشفه بسهولة قبل توزيعه لمحطات الوقود.
أين تقع مسؤولية الأعطال؟
مصادر عدة من الهيئة وشعبة المواد البترولية رجّحت أن تكون المشكلة قد وقعت في "مرحلة التوزيع"، وتحديدًا في بعض محطات البنزين التي قد تشهد تلاعبًا في الخليط أو تخزين غير مطابق، ما يؤدي إلى أعطال فورية في السيارات، وهو ما يتسق مع شكاوى سابقة من مستخدمي البنزين في مناطق متفرقة من القاهرة الكبرى.
كما اتهمت المصادر الحكومة بالتخبط في إدارة الأزمة، حيث بدأت بإنكار وجود أي مشاكل، ثم اعترفت بعد أيام بأن خمس عينات بنزين ثبت عدم مطابقتها، من دون تحديد المحطات أو نوع المخالفة، ثم ختمت باتهام غير موثق لشركة تكرير لم تُذكر بالاسم.
هل كانت محاولة للهروب من المحاسبة؟
ختم أحد الخبراء تصريحه قائلًا: «تصريحات رئيس الوزراء تعكس ارتباكًا حكوميًا واضحًا. بدلاً من تقديم رواية فنية متماسكة، لجأت الحكومة إلى سردية مفككة، تحمل شركة لم يُذكر اسمها، ومعمل لم يُحدد وضعه القانوني، مسؤولية أزمة تمس ملايين المواطنين، دون محاسبة شفافة أو كشف حقيقي عن الخلل».
وأضاف آخر ساخرًا: «واضح إنهم محتاجين يجيبوا حد يفهمهم البنزين بيتعمل إزاي، قبل ما يرموا التهمة على الكبريت».