في تحذيرات تنذر بخطر داهم، كشفت وزيرة البيئة في حكومة السيسي، ياسمين فؤاد، أن ما شهدته مدينة الإسكندرية مؤخرًا من أمطار غزيرة وعواصف قوية، لا يُعد مجرد "منخفض جوي" عابر، بل يُصنف ضمن ما يُعرف علميًا بـ"موجات الطقس الجامحة" – أحد أبرز تجليات التغيرات المناخية المتسارعة التي تضرب العالم.

وفي تصريحات رسمية، سلّطت الوزيرة الضوء على واقع مقلق، مؤكدة وجود سيناريوهين محتملين لمصير مدينة الإسكندرية الساحلية: أحدهما متفائل، والآخر متشائم إلى حد توقع الغرق الكامل للمدينة نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر. وأوضحت أن هذه التقديرات لم تعد تنتمي إلى عالم التوقعات النظرية، بل تدعمها دراسات علمية حديثة.

وأضافت فؤاد أن مصر، إلى جانب دول القارة الأفريقية، تُعد من بين المناطق الأكثر هشاشة وتأثرًا بتداعيات التغير المناخي عالميًا، مشيرة إلى أن موجات الطقس العنيفة، وارتفاع درجات الحرارة، وتكرار الظواهر الجوية المتطرفة، قد تهدد المدن الساحلية في المستقبل القريب.

التصريحات تفتح باب التساؤل: هل تتحرك الدولة سريعًا لتدارك الكارثة البيئية المقبلة؟ أم ستبقى الإسكندرية، درة المتوسط، عرضة للغرق في بحر من الإهمال والتقاعس؟

 

سيناريوهان لغرق الإسكندرية

وردًا على سؤال: “هل تختفي الإسكندرية ودلتا النيل بعد عدد من السنوات كما تتوقع بعض الدراسات؟”، ردت الوزيرة بأن الدراسات تحمل سيناريوهين، أحدهما متشائم، والآخر متفائل.

وتابعت أن السيناريو المتشائم يتوقع غرقًا كاملًا للدلتا والإسكندرية، أما المتفائل فيتوقع حدوث أضرار جسيمة ما لم يتم اتخاذ إجراءات. وهو يتحدث عن عام 2100، وليس الآن”.

 

إجراءات الدولة

وقالت وزيرة البيئة إن الدولة في استراتيجيتها للتعامل مع الأمر، تأخذ كافة السيناريوهات على محمل الجد، وتستعد لها عبر استراتيجيات وإجراءات حماية لتقليل آثارها، قائلة: “فيه ناس كتير كانت بتسأل: ليه بنعمل 16 مدينة عمرانية خارج الدلتا؟ لأن 80 إلى 90% من السكان يعيشون في منطقة الدلتا، وبالتالي، الشروع في بناء 16 مدينة جديدة بنموذج عمراني متكامل هو لتشجيع الناس على التوسع خارج الوادي”.

وأكدت أن تجنب “تلك السيناريوهات يعتمد على محورين: على مستوى الدولة، من خلال استكمال إجراءات الحماية وتفعيل نظام الإنذار المبكر، وعلى مستوى التخطيط العمراني من خلال إنشاء 16 مدينة عمرانية متكاملة، بالإضافة إلى الإجراءات التي نقوم بها أثناء الأزمات، مثل استخدام التكنولوجيا”.

وأشارت إلى أنه وفقًا للسيناريو المتفائل، الذي يقول إن أماكن محددة هي الأكثر عرضة للتأثر، فقد بدأ العمل عليها عبر إجراءات الحماية.

وعن مخاطر تسرب مياه البحر، قالت: “هذه إحدى الأمور التي نعمل عليها بشكل كبير جدًا، عبر إجراءات من وزارة الري والموارد المائية، من خلال الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية”.

وأكدت أن ظاهرة ارتفاع منسوب سطح البحر تعد من أخطر التحديات التي تواجهها المناطق الساحلية، حيث يتسبب ارتفاع درجات الحرارة عالميًا في ذوبان الجليد وتبخره، مما يؤدي إلى ارتفاع تدريجي في منسوب مياه البحر.

وتوقعت أن يصل هذا الارتفاع إلى نحو 50 سنتيمترًا خلال الفترة بين عامي 2050 و2100، وهو ما وصفته بالرقم الخطير الذي يستدعي الاستعداد الجاد، مما يؤدي إلى غرق كامل للإسكندرية والدلتا، والدولة تستعد لهذا السيناريو المتشائم ببناء 16 مدينة جديدة في الصحراء.

وأوضحت الوزيرة الفرق الجوهري بين نوعين من التأثيرات المناخية، فمن ناحية هناك التأثيرات الفورية مثل الموجات الحارة التي يمكن ملاحظتها بسرعة وتؤثر بشكل مباشر على القطاعات الحيوية كالزراعة.

وأضافت أنه “من ناحية أخرى، هناك التأثيرات التراكمية التي تحتاج لسنوات طويلة حتى يمكن قياسها بدقة، مثل ظاهرة ارتفاع منسوب سطح البحر التي تمثل تهديدًا بطيئًا لكنه مؤكد للمناطق الساحلية”.

 

عوامل تؤدي لغرق الإسكندرية

وحذرت دراسة علمية حديثة من أن التغير المناخي الذي يشهده العالم إذا استمر على حاله، فإنه سوف يؤدي إلى إغراق مدينة الإسكندرية الساحلية، وفق ما أفادت صحيفة ديلي ميل البريطانية.

ومنذ تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر وحتى ولادة كليوباترا، كانت هذه المدينة القديمة موقعا لبعض أهم لحظات التاريخ، لكن العلماء يحذرون الآن من أن الإسكندرية تغرق في البحر بفضل ارتفاع منسوب مياه البحر.

وأظهرت الدراسة الجديدة أن المدينة الساحلية التي يبلغ عمرها 2300 عام تشهد "ارتفاعا كبيرا" في انهيارات المباني.

ويحذر الباحثون من أن المدينة "التي كانت ذات يوم موطنا لعجائب العالم القديم، مكتبة الإسكندرية العظيمة ومنارة الإسكندرية تختفي الآن تدريجيا".

وفي العقد الماضي وحده، تسارع معدل الانهيارات من انهيار واحد في السنة إلى 40 انهيارا "مثيرا للقلق" في السنة مع زحف المياه المالحة إلى أسفل أساسات المدينة، وفق الدراسة.

وعلى مدار العشرين عاما الماضية، دمر 280 مبنى بسبب تآكل السواحل، وهناك 7000 مبنى آخر معرض لخطر الانهيار في المستقبل.

وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة سارة فؤاد، وهي مهندسة معمارية للمناظر الطبيعية في الجامعة التقنية في ميونيخ: "لقرون من الزمان، كانت هياكل الإسكندرية بمثابة عجائب من الهندسة المرنة، وتحمل الزلازل والعواصف والتسونامي وغير ذلك".

وأضافت "لكن الآن، تعمل البحار المرتفعة والعواصف الشديدة التي تغذيها تغير المناخ على إبطال ما استغرق آلاف السنين من الإبداع البشري لإنشائه في غضون عقود".

وأسس المدينة الإسكندر الأكبر في عام 331 قبل الميلاد، وكانت الإسكندرية ذات يوم أكبر مدينة على وجه الأرض وكانت واحدة من أهم المواقع في العالم القديم، وفق ما أفادت الدراسة.

وتعرف المدينة باسم "عروس البحر الأبيض المتوسط"، وقد جعل موقعها على الساحل منها مركزا مهما للتجارة والشحن يربط بين الشرق الأوسط وأوروبا.

ومع ذلك، فإن القرب من المياه التي جعلت المدينة مزدهرة ذات يوم يهدد الآن بتدميرها مع زحف البحر بسرعة.

ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب تراكم الغازات المسببة للانحباس الحراري في الغلاف الجوي، ترتفع درجة حرارة المحيط المتوسطة.

ومع ارتفاع درجة حرارة الماء، يتمدد أيضا، جنبا إلى جنب مع المياه العذبة المضافة من الصفائح الجليدية التي تذوب بسرعة، مما يدفع مستوى سطح البحر العالمي إلى الارتفاع.

ووفقا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، ارتفع مستوى سطح البحر العالمي بين 20 و23 سنتيمترا منذ عام 1880، مع 10 سم من هذا الارتفاع منذ عام 1993 وحده.

وتوقعت دراسة حديثة أجرتها جامعة "نانيانغ" للتكنولوجيا في سنغافورة أن يرتفع مستوى سطح البحر العالمي بمقدار "مذهل" يبلغ 6.2 قدم (1.9 متر) بحلول عام 2100 إذا استمرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الزيادة.

وجمع الباحثون بين صور الأقمار الصناعية والخرائط التاريخية لمعرفة مدى سرعة اختفاء ساحل المدينة منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر.

وأظهر هذا أن ساحل الإسكندرية تحرك إلى الداخل بعشرات الأمتار على مدى العقود القليلة الماضية، مع تراجع بعض المناطق بمقدار 3.6 متر سنويا.

وقال الدكتور عصام حجي، أحد مؤلفي الدراسة وعالم المياه في جامعة جنوب كاليفورنيا: "نحن نشهد الاختفاء التدريجي للمدن الساحلية التاريخية، والإسكندرية تدق ناقوس الخطر، وما بدا ذات يوم وكأنه مخاطر مناخية بعيدة أصبح الآن حقيقة واقعة".

ولكن ارتفاع مستوى سطح البحر لا يحتاج إلى أن يكون دراماتيكيا حتى تكون له عواقب وخيمة.

وأضاف حجي، "دراستنا تتحدى الاعتقاد الخاطئ الشائع بأننا لن نحتاج إلى القلق إلا عندما يرتفع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد".

وإن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار بضعة سنتيمترات فقط يزيد من خطر الفيضانات، والأهم من ذلك، أنه يسمح للمياه المالحة بالتغلغل بشكل أكبر في المدن الساحلية.

ومع ارتفاع مستوى المياه الجوفية، فإنها تتلامس مع أسس المباني، ويؤدي تسرب المياه المالحة الناتج عن ذلك إلى تقويض الهياكل قبل فترة طويلة من ملامستها المباشرة للبحر.

وأخذ الباحثون عينات من التربة حول المدينة للنظر في "البصمة الكيميائية" المرتبطة بتسرب المياه المالحة.

وقال البروفيسور إبراهيم صالح، المؤلف المشارك، عالم التربة من جامعة الإسكندرية: "كشف تحليل النظائر لدينا أن المباني تنهار من الأسفل إلى الأعلى، حيث يؤدي تسرب مياه البحر إلى تآكل الأساسات وإضعاف التربة".

وأضاف "إن ما يتأثر ليس المباني نفسها، بل الأرض التي تقع تحتها".

وقد أدى هذا إلى انهيار مئات المباني الواقعة على بعد كيلومتر واحد من الساحل.

ومن المثير للقلق أن الباحثين يشيرون إلى أن هذه المشاكل ليست فريدة من نوعها في الإسكندرية، بل قد تؤثر على المدن الساحلية في جميع أنحاء العالم.