أعلنت العديد من مديريات التربية والتعليم في العديد من المحافظات وخاصة الجيزة، عن رصد عدد من وقائع الشغب والغش، وتخريب ممتلكات داخل بعض لجان امتحانات الشهادة الإعدادية، بعدة إدارات تعليمية مختلفة.

وأشارت إلى أنه بناءً عل ما تم رصده، وطبقًا لما نص عليه القرار الوزاري رقم 34 لسنة 1992 – المادة الثالثة، والخاصة بتنظيم أحوال الامتحانات، تم تحرير محاضر رسمية بحق العديد من الطلاب المتورطين، وحرمانهم من استكمال باقي الامتحانات، مع اعتبار العام الدراسي لهم عامًا من الرسوب الفعلي، رغم أنهم أطفال لم يتعدوا الـ 13 عامًا.

[https://x.com/i/status/1929484603154145388]

**وبدلا من الاعتراف بتقصيرها في تهذيب الطلاب بالمدارس وتعليمهم القيم والأخلاق والاعتراف بفشلها التربوي، أوضحت في بيان لها أن هذا القرار ليس عقوبة فقط، بل دفاع عن كرامة التعليم، وضمان للعدالة وتكافؤ الفرص لكل طالب مجتهد يسير في طريقه بنزاهة وأخلاق، متناسية أن دورها كان قبل التعليم هو التربية.**

وبدلا من الاعتراف بفشلها طالبت أولياء الأمور بالوقوف إلى جانب المنظومة التعليمية في هذه المرحلة الحاسمة، لا بالتبرير للمخالفات، بل بالمساندة في غرس الانضباط والقيم الأخلاقية في نفوس أبنائهم، وإرشادهم إلى طريق الصواب، وتعزيز احترام القوانين والانضباط داخل المدرسة وخارجها، لكن أين دورها في غرس تلك القيم التي تتغنى بها.

وورغم أن من قام بالشغب هم الأطفال دون تدخل أولياء الأمور أكدت الوزارة أن الامتحان مسؤولية وطنية، وأمانة أخلاقية، ولن يُسمح أبدًا لأي فرد أن يعبث بها تحت أي ذريعة، مشيرة إلى أنها لن تتردد في اتخاذ الإجراءات الرادعة والحاسمة تجاه كل من يتجاوز، أو يحاول الإضرار بمستقبل زملائه أو سمعة مؤسستنا التعليمية، التي يرى الخبراء أن تلك السمعة قد اندثرت مع تولي السيسي إدارة حكمه العسكري للبلاد وتولي العديد من الوزراء الفشلة والمزورين مسئولية التعليم بمصر.

 

كيف وصل أبناءنا لهذا الانحطاط؟

فجأة شعر البعض بأن منظومة القيم والأخلاق أصابها مكروه. وجانب غير قليل من محتوى الـ"سوشيال ميديا" يعكس صدمة جراء "التردي الأخلاقي" أو "الانحدار السلوكي" أو "الانهيار القيمي". 

وعلى رغم أن كل ما سبق من أحداث وحوادث منظومة متكررة على مدار أعوام، فإن ماحدث بين طلاب الإعداية مع أطفال لم تتجاوز الـ15 عام لاعمال بلطجة وتخريب وسوء سلوك أعادا طرح سؤال: ماذا حدث للأخلاق بين الطلاب؟

وأصبحبتمستويات التردي الأخلاقي التي تشغل قطاعاً من الطلاب هذه الأيام مختلفة ويصل بعضها إلى درجة التناقض في المحتوى.

وبينما أحكام قضائية تصدر في حق نساء وفتيات ناشطات على منصات الـ"سوشيال ميديا" يقدمن محتوى يغلب عليه الترفيه بدرجاته، المقبولة وغير المقبولة مجتمعياً بناء على ملابسهن وحركاتهن، بعد تقديم بلاغات ضدهن من متابعين ينتفضون غضباً خوفاً على قيم الأسرة ويرتعدون غيرة على أخلاق المجتمع، فإن أحداً لا يتقدم بشكوى أو بلاغ أو كلمة عتاب جراء الانحطاط الاخلاقي بين الطلاب في كافة المراحل العمرية.

 

الغش فردي وجماعي

وطيلة فترة اختبارات الإعدادية كل عام على مدار العقود الثلاثة الماضية ويزيد، ينغمس المجتمع المصري في متابعة حوادث الغش الفردي والجماعي. وفي كل عام يندد البعض ويشجب ما يجري ويبقى البعض الآخر صامتاً أمام حوادث كادت تصبح منظومة تحظى بقبول مكتوم، بل وتلقى مباركة ما ولو من باب "هي جت على الطلبة الغلابة؟!" أي إن مظاهر التردي الأخلاقي كثيرة، فليترك الطلاب يغشون شأنهم شأن غيرهم.

 

غياب المشروع الثقافي

وحمل مراقبون الدولة المسؤولية هذا الانحدار نتيجة "غياب مشروع ثقافي واضح يمكن من خلاله مواجهة المشروع البلطجي، الذي انتشر واستشرى من دون رادع في وقت يظن فيه البعض أن الثقافة رفاهية، وأنها تسيير أعمال ومكاتبات ورقية ومكاتب فخمة وملابس جميلة وتعاملات بروتوكولية". 

 ونتج عن غياب الدولة "كيانات ومؤسسات مترهلة لا تقدم ثقافة، بل قدمت البلد كاملاً على طبق من ذهب لقدوات من الممثلين، أدى إلى تراجع الثقافة ومعها الأخلاق والقيم وتوغل الانحطاط  والترويج له باعتباره المنظومة التي يجب أن يتبعها أطفالنا، وكل ذلك أسهم في إحداث تغيرات عدة في منظومة الأخلاق والقيم.

 

فقر الوعي

الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن ينعت الرؤى غياب الدولة بـ"الفقر الشديد في الوعي الأخلاقي". 

وكتب تحت عنوان "حاجة مجتمعنا الآن إلى مبادرة أخلاقية" (2024) أن "ما جرى من غلبة الفقه على الفلسفة والشريعة على الأخلاق والتدين على الدين، لم يسعف في قيام علم أخلاق إسلامي يتسم بالانضباط الصارم والاتساق الذاتي ويمتلك القدرة على نشره بسهولة شديدة. 

وفي الوقت نفسه فإن الكنيسة لم تعط المسألة الأخلاقية العامة ما تستحقه من اهتمام"، مشيراً إلى أن "غياب الجانب الأخلاقي المرتبط إلى حد عميق وبعيد بالروحانيات ويقظة الضمير، حول العبادات إلى مجموعة من الطقوس وجعل المعاملات تقوم

على النفعية سواء بتحصيل مكاسب دنيوية عاجلة أو السعي إلى الفوز بمكاسب أخروية آجلة عبر جمع الحسنات في عملية حسابية جافة، يظن صاحبها أن بوسعه أن يربح إن تعامل مع عدل الله وليس رحمته وفضله، تطبيقاً لفقه وتفاسير تتحدث له في هذا الاتجاه الذي يميل إلى ظاهر النصوص".

ومن النصوص إلى الجيوب، إذ يرى عمار علي حسن أن "الظروف الاقتصادية الصعبة تدفع كثيراً من الناس إلى حالة من التوحش ينسون معها كثيراً من تعاليم الأديان، ومن التقاليد والأعراف، ومما يوجبه الحس العام السليم الذي يحمى المجتمع من الغرق في صراع مفتوح على الموارد [والمكانة"، مضيفاً أنه "يكفى لأي منا أن يرى كيف يتصرف الناس ويسمع ما يتلفظون به في الشوارع والأسواق والمتاجر وأماكن العمل، ليدرك أن الأخلاق لم تعد حاكمة لكثير من مسار القول والفعل. وتصبح الصورة مساوية لهذا أو أكثر قتامة حال تصفح مواقع التواصل الاجتماعي التي يدفع المصريون في أوصالها كثيراً من نفايات الكلام، ومن التعري وجرح الخصوصية ومن التلصص والتشفي ومن إثارة الأحقاد وتصفية الحسابات والانتقام".