في أوائل يونيو 2025،  صدّق قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي عن تخصيص مبلغ 175 مليون جنيه من موازنة محافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، بهدف "خفض الدين العام" للدولة، يأتي القرار في وقت بالغ الحساسية، إذ تشهد مصر أزمة اقتصادية خانقة إثر تراجع حاد في إيرادات قناة السويس بأكثر من 7 مليارات دولار في عام 2024، نتيجة اضطراب الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، حيث قدّرت الخسائر الشهرية بنحو 800 مليون دولار.

القرار جاء بدون إعلان مسبق عن مشاورات محلية أو موافقة من مجلس نيابي محلي – وهو ما لم يعد موجودًا فعليًا في مصر منذ تعطيل المجالس المحلية عقب 2011.


الأبعاد الاقتصادية والخلفية الحقيقية

يأتي تخصيص هذه الأموال في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي بالشراكة مع صندوق النقد الدولي، والذي يهدف إلى خفض نسبة الدين العام إلى 85 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2026، إلا أن خبراء الاقتصاد يرون أن تخصيص 175 مليون جنيه هو إجراء رمزي لا يُحدث فارقًا جوهريًا، بل يعكس ارتباكًا ماليًا عامًا.

فالدين الخارجي المصري تخطى 165 مليار دولار، بينما ارتفع الدين العام المحلي بنسبة 33.1% خلال عام واحد فقط، ما أدى إلى انهيار في سعر صرف الجنيه، وتراجع الثقة في قدرة الحكومة على سداد التزاماتها دون طباعة نقود جديدة أو بيع أصول الدولة.

 

لماذا البحر الأحمر تحديداً؟

تُعد محافظة البحر الأحمر من أبرز المناطق التي شهدت استثمارات سياحية وبنيوية ضخمة منذ عام 2017، مثل مشروع محطة تحلية "اليسر" والمطار الدولي، إضافة إلى شبكة طرق جديدة، حيث يرى اقتصاديون أن اختيارها لتحويل فائضها إلى المركز المالي لا يعكس مجرد حسابات مالية، بل توجهًا مركزيًا لاستنزاف الموارد المحلية لتعويض فشل الإدارة المركزية في ضبط الإنفاق والإنتاج.

ويؤكد مختصون أن هذه المحافظة، التي تعتمد على السياحة والأنشطة الساحلية، لا تزال بحاجة لاستثمارات خدمية وتعليمية وصحية، وأن تجريدها من جزء كبير من موازنتها يمثل خطورة على التوازن التنموي المحلي.

يرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن القرار يمثل استعراضًا سياسياً أكثر من كونه إصلاحاً اقتصادياً، فقد أكدت الحركة المدنية المصرية، في بيان صدر في أبريل 2025، أن "استمرار الحكومة في تحميل الفقراء والمحليات تكلفة الدين هو هروب من المحاسبة، لا علاج للأزمة"، وأضافت أن الأزمة "هي نتاج لفساد وسوء إدارة مزمن وليس قضاءً وقدراً".

في السياق ذاته، قال الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، إن “خفض الدين لا يتحقق عبر مصادرة أموال المحافظات بل بإعادة هيكلة أولويات الدولة والحد من عسكرة الاقتصاد” أما حمدين صباحي فصرّح بأن القرار "تمهيد لخصخصة ممتلكات المحافظات"، محذرًا من أن "المركز يُصفي ما تبقى من سلطة محلية حقيقية".

في ظل العجز المالي المتزايد، قدّم عدد من الاقتصاديين رؤى بديلة لمعالجة أزمة الدين العام دون التضحية بالمجتمعات المحلية:

  • إعادة هيكلة الأولويات: بتقليص إنفاق المؤسسات السيادية ووقف مشاريع العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة التي كلفت الدولة أكثر من 58 مليار دولار منذ 2016.
  • توسيع القاعدة الضريبية لا زيادتها: حيث يشكل الاقتصاد غير الرسمي نحو 40% من النشاط الاقتصادي في مصر دون مساهمة ضريبية فعالة.
  • تحفيز الصادرات غير البترولية: خصوصًا في قطاعات الملابس، الزراعة، والدواء، بدلاً من الاعتماد على الاقتراض الخارجي.
  • دمج المجالس المحلية في القرار المالي: لضمان الرقابة الشعبية والشفافية.

 

ويرى خبراء أن القرار يُرسّخ لمركزية شديدة تتعارض مع الدستور المصري الذي ينص على اللامركزية المالية والإدارية، ومنذ إلغاء المجالس المحلية بعد الثورة، تُدار المحافظات بقرارات فوقية دون إشراك شعبي حقيقي، ويطالب المختصون بضرورة انتخاب المجالس المحلية فورًا، وتفعيل الرقابة التشريعية على التصرف في فوائض المحافظات.

كما حذّروا من أن تخصيص موارد المحليات لسداد الدين، هو مقدمة لتوجه أوسع نحو بيع أصول الدولة والممتلكات العامة بحجة سد العجز، ما يعمّق التفاوت بين المركز والمحافظات.

رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر وعلى رأسها خسائر قناة السويس وتراجع الجنيه وارتفاع الدين الخارجي فإن قرار تحويل 175 مليون جنيه من محافظة البحر الأحمر أثار جدلاً واسعًا، بالنسبة للحكومة، قد يبدو القرار جزءًا من خطة إصلاح مالي شامل؛ أما من وجهة نظر الخبراء الاقتصاديين، فهو دليل على استمرار السياسات العشوائية.