في الوقت الذي تتصاعد فيه مؤشرات انتشار المخدرات في ربوع مصر، لا سيما خلال إجازة عيد الأضحى، تتوالى مقاطع الفيديو من قرى ومدن مختلفة توثق حوادث عنف، واشتباكات، وانهيارات اجتماعية تقف وراءها مواد مخدرة مثل الشابو والحشيش والترامادول، بينما تواصل الحكومة إطلاق التصريحات المطمئنة عن جهودها في علاج الإدمان، ما يزيد الفجوة بين الواقع والمعلن.
ففي أسوان، إحدى أكثر المحافظات تضررًا، اشتعلت قرية النجاجرة شرق خلال الأيام الأخيرة باشتباكات دامية بين الأهالي وتجار المخدرات، في مشهد بات يتكرر في مناطق أخرى من المحافظة، وسط اتهامات للداخلية بالتقاعس عن أداء دورها. جاءت هذه الاشتباكات بعد حادث مأساوي في قرية الكوبانية، حيث قتل أحد الأبناء والده تحت تأثير مخدر الشابو، ومثّل بجثته.
احتجاجات شعبية.. والأمن غائب
تحوّلت التحركات الشعبية في قرى كوم أمبو، والسيل، وأبو الريش، وأبو سمبل، إلى ما يشبه الانتفاضة ضد تجار المخدرات. في النجاجرة، وبعد سنوات من تقديم الشكاوى دون استجابة، قرر الأهالي التحرك بأنفسهم. قطعوا الطريق الزراعي، وتواجهوا مع التجار المسلحين، الذين لم يترددوا في إطلاق الرصاص أمام قوات الأمن التي كانت تقف على مقربة.
يحكي محمود عبد الناصر، أحد أهالي القرية: "بقينا نخاف على عيالنا من اللي ماشيين بالسلاح في نص الليل.. مفيش أمان، ومدمنين الشابو بيكسروا ويسرقوا كل حاجة"، وأضاف أن أحد ضباط الشرطة قال لهم: "امسكوا التجار وسلموهم لنا أنتم".
رد الأهالي كان اقتحام وكر المخدرات الأبرز في القرية، وأحرقوه بالكامل، لكن الرد كان عنيفًا، إذ عاد التجار في المساء، وأصابوا ثلاثة من الأهالي بالرصاص.
الغضب يمتد.. والنساء في الصدارة
شهدت أسوان في نهاية مايو مظاهرات نسائية ومؤتمرات شعبية في غرب سهيل والجزيرة، اعتراضًا على انتشار المخدرات، وغياب جهود المكافحة، واعتبر سكان محليون أن الوضع خرج عن السيطرة، مع تزايد معدلات الإدمان، لا سيما بين الشباب والنساء.
ولاء سعد، منسقة صندوق مكافحة الإدمان في أسوان، تؤكد أن الشابو أصبح أكثر المخدرات خطورة وانتشارًا، مضيفة: "انتشار المخدرات بين النساء بقى مقلق، وغالبًا بيبدأ بسبب الزوج أو الأخ".
لكنها تحذر من ضعف الثقة في مؤسسات العلاج، قائلة إن وصمة العار تمنع كثيرًا من النساء من طلب المساعدة، رغم تحمّلهن العبء الأكبر في مواجهة الإدمان داخل الأسرة.
الذهب والمخدرات.. علاقة قاتلة
وفق شهادات محلية، فإن التنقيب غير الرسمي عن الذهب في الجبال الشرقية لأسوان صار أحد أبرز أبواب انتشار الإدمان.
يقول أحد المنقبين: "من 2017 بدأ الشابو يظهر، لكن انتشاره انفجر في آخر خمس سنين.. الناس بتاخده عشان السهر والخوف، وكمان السلاح بقى ضروري لحماية الشُغل".
ويرى مراقبون أن ارتفاع الطلب على الشابو وسط المنقبين ساهم في سريان المخدر إلى القرى والنجوع، مدعومًا بغطاء قبلي في بعض الأحيان، ويصعّب من مهمة الأجهزة الأمنية.
حملات أمنية متأخرة.. والنتيجة لا تكفي
بعد موجة الاحتجاجات الأخيرة، أعلنت وزارة الداخلية عن حملات أمنية في أسوان، أسفرت عن مقتل 6 تجار مخدرات، وضبط 829 كيلوجرامًا من المواد المخدرة، و82 قطعة سلاح، بإجمالي قيمة تتجاوز 67 مليون جنيه.
لكن كثيرين يرون أن هذه الحملات جاءت متأخرة، وغير كافية. يقول أحد القيادات الشعبية: "الناس بتاخد حقها بإيديها لأن الشرطة ما بتتحركش.. بس ده خطر جدًا، خاصة في مجتمع قبلي زي أسوان".
الحكومة تتجمّل بالأرقام
في مقابل هذه الصورة القاتمة، أعلن مجلس الوزراء تحت رعاية عبد الفتاح السيسي عن علاج أكثر من 60 ألف مريض إدمان خلال 2025، زاعمًا أن أكثر المواد انتشارًا لم تعد الحشيش أو الترامادول، وأن الذكور يمثلون 96% من المرضى، مقابل 4% فقط من الإناث.
لكن هذا الخطاب الرسمي بدا منفصلًا عن الواقع الذي تعيشه الأسر، حيث أوضح محمد عبد القادر، أحد المتعافين، أن غياب مراكز العلاج في أسوان أجبره على السفر إلى الإسكندرية وتحمّل تكلفة علاجية بلغت ألف دولار خلال ستة أشهر، قائلًا: "معظم الناس بتعالج عيالها في البيت، وده خطر جدًا".
كريستال الموت.. الشابو يتمدد
وفق بيانات الداخلية، فإن مصر ضبطت خلال عام ونصف فقط نحو طن من مخدر الشابو، ما يعادل 36% من كل الكميات المضبوطة منذ ظهوره عام 2014، في مؤشر واضح على تغوّله، لا سيما في الصعيد والمناطق الحدودية.
وتظهر البيانات أن التهريب لا يزال المصدر الأكبر، لكن التصنيع المحلي آخذ في التزايد، وسط ضعف الرقابة، وسهولة الحصول على مكونات كيميائية عبر الإنترنت.
شاهد:
https://www.facebook.com/reel/639980488740969
https://www.youtube.com/shorts/53dMCELMKZM
https://www.youtube.com/shorts/Myp04h2-f0w
https://www.youtube.com/watch?v=0w_Chhhn7Nc