شهدت مدينة لوس أنجلوس في أوائل يونيو 2025 تصعيداً خطيراً حين أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنشر قوات الحرس الوطني وقوات المارينز في شوارع المدينة، ملوحاً بتفعيل "قانون التمرد" لأول مرة منذ عقود، جاء هذا القرار في أعقاب احتجاجات واسعة ضد سياسات الهجرة، ما أثار موجة انتقادات شديدة من الساسة والحقوقيين، وفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى فشل إدارة ترامب في معالجة الأزمات الداخلية بالوسائل السياسية والقانونية.
بدأت أزمة لوس أنجلوس عندما شنّت إدارة ترامب عمليّة مداهمات موسّعة نفّذتها إدارة الهجرة ICE في مناطق تعتمد غالباً على العمّال المكسيكيين والهندوراسيين، في 7 يونيو، تم اعتقال نحو 118 مهاجراً دون وثائق، مما أثار احتجاجات جماهيرية ضخمة؛ حيث احتشد نحو ألف متظاهر بالقرب من مراكز تابعة لوزارة الأمن الداخلي، في خضم الانفجار الشعبي، شُوهدت لقطة لعبارات موجهة إلى "العدوان المهاجر"، تلوح فيها أعلام دول مثل المكسيك وهندوراس والسلفادور.
التصعيد العسكري.. المارينز والحرس الوطني
في 7 يونيو أمر ترامب بنشر 2,000 جندي من الحرس الوطني بعد رفض ولاية كاليفورنيا ذلك، وفي 10 يونيو، أُرسل 700 من قوات المارينز، من معسكر بندلتون وتوينتين ناين بالمز، إلى مواقع في Seal Beach، قبل أن ينتشروا لحماية المراكز الفيدرالية. ولم يُمنح هؤلاء العسكريّون أي صلاحية للقيام بمهام إنفاذ القانون حتى الآن بموجب القانون الحالي، وهو ما يثير شكوكاً حول هدف التّقيّد بالحقائق وتمويه النّشر العسكري.
قانون التمرد.. أداة ترامب الأخيرة
ينص Insurrection Act المعتمد عام 1807 بعد تعديله على أن الرئيس يمكنه نشر الجيش أو الحرس الوطني في حال "تمرد" أو عدم قدرة السلطات المدنية على حفظ النظام، في حال تفعيله، يلغي جزئياً Posse Comitatus Act الذي يمنع الجيش من ممارسة وظائف الشرطة. لم يُفعّل ترامب هذا القانون رسمياً بعد، بل اعتمد على "السلطة الكامنة" (inherent authority) لاستدعاء الحرس والمارينز بقصد حماية الممتلكات الفيدرالية، ورغم ذلك، تحدث ترامب عن احتمال تفعيل القانون، خاصة أن تقارير البنتاغون والأمن الداخلي أعدّت خططاً أولية، حسب ما كشفناه من مصادر.
"قانون التمرد" الذي يعود إلى عام 1792 وتم تعديله لاحقاً، يمنح الرئيس الأمريكي صلاحية نشر القوات العسكرية داخل البلاد لقمع التمرد أو العنف أو عند عجز السلطات المحلية عن فرض النظام، هذه الأداة نادراً ما استُخدمت في التاريخ الأمريكي، وكان آخر تفعيل لها في لوس أنجلوس عام 1992 خلال أحداث الشغب الشهيرة بعد تبرئة ضباط شرطة اعتدوا على المواطن رودني كينغ، ما أدى حينها إلى خسائر تجاوزت المليار دولار، تفعيل هذا القانون اليوم يُنظر إليه كتصعيد خطير يعكس إخفاق الإدارة في احتواء الأزمات بالحوار والمؤسسات المدنية.
ردّ فعل كاليفورنيا والقوة القضائية
عبر حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، ومحامي العام روب بونتا، عن رفض صارم للإجراءات الفيدرالية ومقاضاة الإدارة الفيدرالية في محكمة المقاطعة الشمالية لكاليفورنيا، وقدموا طلباً بأمر restraining لإيقاف استخدام القوات الفيدرالية في الولاية، جادلوا بأن استخدام قانون Title 10 لتجنيد الحرس الوطني دون موافقة الحاكم يعد انتهاكاً للتعديل العاشر ولقانونPosse Comitatus وصف نيوسوم ما يحدث بأنه "تصنيع أزمة"، بينما أشار القضاة إلى أن الإدارة لديها حتى ظهر 12 يونيو للرد، وتمّ تأخير الاستماع القضائي.
التداعيات السياسية..
ينتقد محللون سياسيون خطوة ترامب بقولهم إنها "سياسة مستفزة مسبقة" تهدف إلى تعبئة قاعدته الانتخابية،Financial Times وصفتها كمحاولة لإذكاء "التفرقة والانقسام"، في حين ربطت “The Economist” ذلك بإنتاج "تسلسل احتجاج-عنف-قمع" مدروس سياسياً، كما اتهمت صحيفة الغارديان ترامب باستخدام اللغة الفاشية في خطاباته، التي وصفت المهاجرين بأنهم "غزاة" و"متمردون"، إذ ترى هذه الخطابات محاولة لاستخدام القوات الحكومية لإرهاب الداخل بدلاً من ضبط الأوضاع المدنية.
ديمقراطية مهددة أم عصيان مسلح؟
تقديرات مباراة القائد العام تشير إلى أن النفقات المالية على النشر العسكري تجاوزت 134 مليون دولار حتى الآن: 2,100 من الحرس الوطني و700 من المارينز، وذلك دعمٍ من البنتاجون للحماية الفيدرالية، هذا الأمر يثير مخاوف عميقة من غرس فكرة "تشريع الاستثناء" لاستخدام القوات المسلحة داخل المدن الأميركية، نائب عن الحزب الديمقراطي وصفها على أنها "ترويض مخالف لروح الدستور"، بينما حذر خبراء قانونيون من خطر التمريض الطبيعي لـ"دكتاتورية مهيلة" تحت ستار محاربة "التمرد".
رغم أن ترامب لم يُفعّل Insurrection Act (حتى كتابة هذه السطور 11 يونيو 2025)، إلا أن تحركاته تمثل خطوة على طريق تسييس المؤسسة العسكرية، نشر آلاف الجنود ومارينز بدون موافقة الولاية وبأسلوب استعراضي يشير إلى فشل في تحقيق الأمن الحقيقي، ويطرح تساؤلات حول إمكانية اللجوء إلى استخدام القانون مستقبلاً، هذه التجربة لا تظهر فقط إخفاق العمليات، بل فضحت هشاشة توازن السلطات بين الفيدرالي والمحلي، وأعادت تسليط الضوء على مشكلات الديمقراطية الأميركية حين تتحول السلطة إلى لعبة سياسية، لا تحقيقاً للسلام المدني.