تولى ترامب مقاليد رئاسته الثانية في فبراير 2025، وشرع في سياسة حمائية تصعيدية مع الإعلان عن "رسوم التحرير"(Liberation Day)  في 2 أبريل 2025، تلاها فرض رسوم جمركية مشدّدة بلغت نسبًا قياسية (حتى 145%) على البضائع الصينية، بينما فرضت بكين بدورها رسوماً انتقامية تجاوزت 125% .

كان الهدف المعلن حماية الصناعة الأمريكية، لكن التوصيف الفعلي شابه الاتهامات بالفوضى الاقتصادية، إذ ارتفعت تكاليف مدخلات الإنتاج في الولايات المتحدة بنسبة 10–30% وانهارت خطوط الإمداد العالمية، والنتيجة؛ ضعف تصنيعي غير متوقع وضغط على الشركات المحلية.

شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تصعيداً غير مسبوق منذ عام 2018، حين أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرب رسوم جمركية شاملة على الواردات الصينية، بهدف تقليص العجز التجاري الأمريكي مع بكين والضغط عليها لتغيير ممارساتها التجارية والصناعية.

بلغت قيمة العجز التجاري الأمريكي مع الصين في عام 2024 نحو 295 مليار دولار، ما دفع إدارة ترامب إلى فرض رسوم جمركية وصلت في بعض الأحيان إلى 145% على بعض السلع الصينية، وردّت بكين بفرض رسوم انتقامية على الواردات الأمريكية، هذا التصعيد أدى إلى اضطراب الأسواق العالمية وشكّل ضغطاً كبيراً على سلاسل التوريد الدولية، وأثرت بشكل مباشر على قطاعات صناعية وزراعية أمريكية وصينية.

 

تفاصيل الاتفاق الأمريكي الصيني الأخير

في 12 مايو 2025، تم الاتفاق بين الطرفين في جنيف على تخفيض مؤقت في الرسوم من 145% إلى 30% أميركيًّا، ومن 125% إلى 10% صينيًّا، مدد الاتفاق مهلة 90 يومًا، حتى 9 أغسطس 2025، كنافذة لإعادة التفاوض، وكان الهدف المعلن تقليص العبء على سلاسل التوريد وتحسين الثقة بالأسواق الدولية.

في 11 يونيو 2025، أعلن الرئيس ترامب التوصل إلى اتفاق جديد مع الصين بشأن الرسوم الجمركية، نص الاتفاق على أن الولايات المتحدة ستحصل على رسوم جمركية إجمالية بنسبة 55% على السلع الصينية، بينما ستفرض الصين رسوماً بنسبة 10% فقط على الواردات الأمريكية.

الاتفاق جاء بعد مفاوضات استمرت يومين في لندن، ويستند إلى إطار عمل تم التوصل إليه سابقًا في جنيف، كما تضمن الاتفاق السماح مجددًا للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأمريكية، وتخفيف بعض القيود على تصدير المعادن النادرة الصينية إلى الولايات المتحدة.

لاقى الاتفاق انتقادات واسعة في الأوساط السياسية والاقتصادية، فقد أكد وزير التجارة الأمريكي أن الرسوم الجمركية لن تتغير عن مستوياتها الحالية في الوقت القريب، مما أثار تساؤلات حول جدوى الاتفاق في معالجة جذور الأزمة.

من جهة أخرى، اعتبر بعض الاقتصاديين أن الاتفاق لا يتجاوز كونه هدنة مؤقتة، وأنه لم يعالج فعليًا الخلافات الجوهرية بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية والدعم الحكومي للصناعات الصينية.

أما المسؤولون الصينيون، فرحبوا بالاتفاق كخطوة أولى، لكنهم أبدوا تحفظات بشأن استمرار بعض القيود الأمريكية على صادراتهم التكنولوجية.

 

أسباب فشل نهج ترامب في إدارة الأزمة

رغم التصعيد في فرض الرسوم الجمركية، لم تحقق إدارة ترامب الأهداف المعلنة، فالعجز التجاري بين البلدين لم يتقلص بشكل ملموس، بل بقي عند مستويات مرتفعة، كما أدت الرسوم المرتفعة إلى ارتفاع أسعار السلع للمستهلك الأمريكي، وأثرت سلبًا على الشركات الأمريكية التي تعتمد على مكونات صينية في إنتاجها، في المقابل، لجأت الصين إلى تعزيز أسواقها البديلة وتنويع مصادر وارداتها، مما خفف من تأثير العقوبات الأمريكية عليها، هذه النتائج تعكس محدودية فعالية السياسات الحمائية في عالم مترابط اقتصاديًا.

وفق دراسات مثل كلية ييل وPeterson Institute، كان الأثر الإيجابي للأمريكيين على الأعمال الناشئة محدودًا مقارنة بالتأثير السلبي للرسوم الصينية المضادة، ما يدل على أن سياسة الحماية الذاتية لم تحقق أهدافها، إضافةً إلى ذلك، أثبت مركز Peterson  فقدان حوالي 245,000 وظيفة صناعية في الولايات المتحدة جرّاء التعريفات خلال سنوات 2018–2019 هذا يعكس أنّ السياسة الحمائية أصبحت دربًا جرى فيه تبادل الخسائر بين الطرفين، بينما وقفت المصالح الاقتصادية لمصالح انتخابية دون استراتيجية طويلة الأمد.

ردود الأسواق كانت متباينة؛ حيث ارتفع مؤشر داو جونس بنسبة 0.1%، في حين تراجع S&P وNasdaq  بحوالي 0.3–0.5% .

المحللون حذروا من أن الرسوم العالية (55%) ستؤثر في التضخم وتضعف إنفاق المستهلكين؛ فقد أظهر مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعًا سنويًا نسبته 2.4% في مايو مع ارتفاع التضخم الأساسي إلى 2.8% .

خبراء مثل Torsten Slok وحاكم الفيدرالي Adriana Kugler حذروا من أن هذه التعريفات ستبقي ضغطًا على التضخم والركود الاقتصادي المحتمل.

 

تداعيات الاتفاق على الاقتصاد العالمي

أدى الإعلان عن الاتفاق إلى انتعاش مؤقت في الأسواق المالية، حيث ارتفعت مؤشرات الأسهم في الصين وأمريكا وأوروبا، لكن هذا التحسن ظل هشًا، إذ بقيت حالة عدم اليقين مسيطرة بسبب استمرار القيود على بعض القطاعات الحيوية، مثل المعادن النادرة والتكنولوجيا المتقدمة، كما أن الاتفاق لم يعالج مسألة الدعم الحكومي للصناعات الصينية أو حماية حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، ما يجعل احتمالية عودة التصعيد قائمة في أي لحظة في حال تعثر تنفيذ بنود الاتفاق.

يتضح من تفاصيل الاتفاق الأخير أن نهج ترامب في إدارة النزاع التجاري مع الصين لم يحقق اختراقًا حقيقيًا، بل أسفر عن تسوية مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة، فالرسوم الجمركية المرتفعة بقيت قائمة، ولم تتغير موازين القوى الاقتصادية بين البلدين، كما أن الاتفاق لم يضع حلولاً مستدامة لمشكلات هيكلية مثل العجز التجاري أو المنافسة غير العادلة، في المحصلة، يظهر أن سياسة التصعيد والضغط لم تؤتِ ثمارها، وأن الاقتصادين الأمريكي والصيني ما زالا رهينتين لقرارات سياسية قصيرة الأجل، دون رؤية استراتيجية واضحة تضمن استقرار العلاقات التجارية على المدى البعيد.