تشهد العاصمة القاهرة حالة استنفار أمني غير مسبوقة منذ نهاية الأسبوع الماضي، بالتزامن مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على إيران، وتزايد الدعوات الشعبية العربية للتضامن مع غزة، لا سيما من خلال "مسيرة الصمود" التي كان من المفترض أن تصل إلى معبر رفح.
وانتشرت قوات الأمن المركزي ووحدات الانتشار السريع في ميادين رئيسية بوسط القاهرة، وأمام المتاحف والمزارات السياحية، في وقت كثّفت فيه السلطات من رقابتها على وسائل التواصل الاجتماعي، محذّرة المواطنين من "نشر الشائعات" أو "التعامل مع الأجانب" بدون تصريح رسمي.
ويشير شهود عيان إلى أن التواجد الأمني بات لافتاً في محيط المتحف المصري، وكذلك عند الفنادق الكبرى والمناطق الحيوية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أجواء التوتر الأمني التي عرفتها مصر عقب ثورة يناير.
حملة تحذيرات ومراقبة مشددة
ورافق الاستنفار الأمني حملة دعائية موسّعة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، حذرت فيها السلطات من "الانجرار خلف الدعوات المضللة"، مشيرة إلى أن أي تداول لمعلومات أو صور "تمس الأمن القومي" قد يعرّض ناشرها للمحاكمة العسكرية.
وأعادت جهات سيادية التأكيد على التعليمات الصادرة منذ أسابيع، التي تحظر على المواطنين "التواصل مع أي جهة أجنبية أو مشاركة معلومات دون إذن رسمي"، في ظل ما وصفته بـ"التهديدات الإقليمية المحيطة بمصر من كل اتجاه".
كما أصدرت وزارة السياحة منشوراً موجهاً للفنادق وشركات الطيران يطالبهم بإخطار الجهات الأمنية مسبقاً بكشوف أسماء السائحين، حتى في حالات الحجز الفردي، مع إرسال صور من جوازات السفر "لأغراض التحري"، ما أثار غضب منظمي الرحلات السياحية الذين وصفوا التعليمات بـ"غير الواقعية في سوق مفتوح".
وقال مصدر بغرفة شركات السياحة إن هذه الإجراءات "مربكة"، وتكشف عن "رغبة أمنية واضحة في ضبط حركة الأجانب إلى مصر"، مشيراً إلى أن الهدف الخفي قد يكون منع دخول متضامنين أجانب مع غزة، أو مشاركين محتملين في "مسيرة الصمود".
قافلة مغاربية عالقة في مصراتة
وفي سياق متصل، أعلنت إسلام عوادي، منسقة القافلة المغاربية ضمن "مسيرة الصمود إلى غزة"، أن القافلة توقفت في مدينة مصراتة الليبية، بانتظار الإفراج عن عدد من الموقوفين، بينهم عشرة ليبيين وتونسيان، تم احتجازهم أثناء تحرك القافلة.
وأضافت عوادي: "لم يعد هناك مجال للوصول إلى غزة. كل الطرق أُغلقت في وجوهنا، سواء البرية أو البحرية. نحن بصدد العودة إلى تونس، لكن رسالتنا وصلت".
وجاء توقف القافلة بعد أن واجهت حملات قمع واعتقال في عدد من الدول، لا سيما مصر، التي اعتقلت عدداً من المتضامنين الأجانب والمصريين، وفق ما جاء في عريضة إلكترونية وقع عليها نشطاء وشخصيات عامة من العالم العربي.
بيان غاضب ودعوات دولية للتحرك
وفي بيان وقّع عليه المئات من الشخصيات والنشطاء، طالب الموقعون، حكومة عبدالفتاح السيسي، بوقف ما وصفوه بـ"القمع الممنهج للمشاركين في المسيرة"، والسماح لها بالوصول إلى غزة باعتبارها "تحركاً سلمياً إنسانياً".
وندد البيان بـ"تجاهل سلطات السيسي لأكثر من خمسين طلباً رسمياً للترخيص"، مشيراً إلى أن هذا التعسف دفع المشاركين إلى التحرك بجهودهم الذاتية.
وأضاف البيان أن "الحكومات العربية باتت أكثر قمعاً من الاحتلال ذاته"، مؤكدين أن "مسيرة الصمود ليست تهديداً أمنياً، بل تعبير عن ضمير الشعوب الحي".
وتسعى الجهات المنظمة لتسليم نسخة من العريضة إلى سفارات مصر في عدة دول، فضلاً عن إرسالها إلى منصات إعلامية دولية بالتعاون مع "آفاز"، كخطوة للضغط على حكومة السيسي والعربية عموماً لإعادة النظر في مواقفها تجاه المتضامنين.
الشرارة لا تزال مشتعلة
ورغم توقّف القافلة فعلياً، يرى المتضامنون أن "مسيرة الصمود" لم تنتهِ، بل أطلقت شرارة لا تزال تتفاعل في الشارع العربي، في وجه آلة القتل الإسرائيلية، وسط غياب رسمي عربي مطبق.
وفي وقت تتواصل فيه الإبادة الجماعية بغزة لليوم الـ621، يؤكد الناشطون أن "الحصار يجب أن يُكسر، والمسيرة مستمرة، بأشكال جديدة"، رغم القمع، ورغم أن الطريق إلى رفح بات أشبه بجدار أمني إقليمي مشترك، يمنع الحياة من الوصول إلى غزة.