في محاولة جديدة لإعادة إنتاج الدعم الشعبي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تصدّرت منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية هاشتاجات مثل #الاصطفاف_الوطني_ورا_السيسي و #السيسي_أمل_الوطن ، والتي أطلقتها حسابات محسوبة على النظام أو داعمة له، بهدف الإيحاء بوجود دعم شعبي واسع للرئيس بعد 11 عامًا من سيطرته على الحكم.
لكن وعلى عكس المتوقع، تحولت هذه الدعوات إلى مادة للسخرية والتندّر من قبل النشطاء والمعارضين، الذين أعادوا تدوير هذه الهاشتاجات بصيغ ساخرة تكشف حجم الغضب الشعبي من سياسات النظام.
غضب شعبي وسخرية رقمية
سرعان ما استقبل نشطاء مواقع التواصل هذه الهاشتاجات بوابل من الردود الساخرة، حيث قال الصحفي والناشط المعارض سليم عزوز عبر صفحته في "إكس" (تويتر سابقًا): "اللي بيطلبوا الاصطفاف الوطني ورا السيسي، يسبقونا الأول وورينا حصلكم إيه". بينما كتبت الإعلامية آيات عرابي: "الاصطفاف الوطني الحقيقي هو في وجه من باع الأرض، وأغرق الشعب، وأفلس الدولة".
تصدر هاشتاج #ورا_السيسي_فين؟ قائمة التريند على موقع "إكس" في مصر يوم 16 يونيو 2025، كرد ساخر على الدعوة، ووصل عدد المشاركات فيه إلى أكثر من 120 ألف تغريدة خلال 24 ساعة، وفق منصة "تريند ماب".
انتشار غير مسبوق للسخرية الإلكترونية
مع إطلاق هاشتاجات الاصطفاف الوطني، شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلاً غير مسبوق من المعارضين، حيث تم تداول هاشتاجات ساخرة ومناهضة للسيسي بملايين المشاركات، ففي إحدى الحملات السابقة، سجل هاشتاج ساخر موجه ضد السيسي أكثر من 105 ملايين مشاركة خلال أقل من 48 ساعة، وحقق أكثر من 450 مليون مشاهدة حول العالم، بحسب مواقع قياس التدوينات، وتُرجم إلى عدة لغات، مما يعكس حجم الرفض الشعبي في الداخل والخارج لهذه الدعوات.
النشطاء لم يكتفوا بالسخرية في الفضاء الإلكتروني، بل امتدت كتاباتهم الساخرة إلى شوارع القاهرة، حيث ظهرت عبارات ورسوم تنتقد السلطة وتتهكم على شعارات الاصطفاف الوطني، وتنوعت التعليقات بين الهزل اللاذع والانتقاد السياسي المباشر، مثل: "انتخبوا المرشح الوحيد الذي يمثلكم.. ويمثل عليكم.. ولو عارضتموه يمثل بجثثكم"، في إشارة إلى القمع الأمني الذي يواجهه المعارضون.
ردود السلطة وأنصار السيسي
في مواجهة هذا السيل من السخرية، أطلق أنصار السيسي هاشتاجات مضادة مثل #سأنتخب_السيسي_ومش_هنزل_لمستواك ، متهمين جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء الحملات المناهضة، بينما حاول بعض الإعلاميين ورجال الأعمال الدفاع عن قائد الانقلاب عبر تعليقات ساخرة مضادة أو دعوات لكتابة هاشتاجات التأييد على العملات الورقية.
قائد الانقلاب نفسه دعا في تصريحات رسمية في ديسمبر 2024 إلى "عدم القلق" وزاد أن "اصطفاف المواطنين في مواجهة التحديات"، محاولاً عبثاً لاحتواء حالة الغضب والتشكيك المتزايد في جدوى السياسات الحكومية الفاشلة
دعوات الاصطفاف الوطني جاءت بعد تراجع شعبية السيسي بشكل غير مسبوق في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فقد بلغ معدل التضخم في مصر في مايو 2025 نحو 37.4%، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فيما تجاوز سعر الدولار حاجز 60 جنيهًا في السوق السوداء، رغم مزاعم الحكومة بالسيطرة على السوق المصرفي بعد توقيع الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي.
ويرى الباحث الاقتصادي د. مصطفى يوسف أن "دعوات الاصطفاف هي تعبير عن أزمة شرعية داخل النظام نفسه، في ظل انعدام الإنجازات الحقيقية، وتآكل الرصيد الشعبي للسيسي حتى داخل المؤسسات التي كانت تدعمه".
أما الحقوقي جمال عيد، فاعتبر أن "مثل هذه الدعوات هي غطاء ناعم لحملة قمع جديدة ستبررها السلطة تحت عنوان ‘وحدة الصف الوطني’، بينما الهدف الحقيقي هو تكميم أي صوت معارض في الشارع أو على الإنترنت".
مآلات خطاب الاصطفاف..
الخطاب الدعائي الذي يروج لفكرة الاصطفاف الوطني لم يعد يجد له صدى سوى داخل الإعلام الرسمي أو بعض الكتائب الإلكترونية، فالمواطن المصري، وفق استطلاع أجراه مركز "بصيرة" في مارس 2025، عبّر 73% منهم عن "عدم ثقتهم في قدرة الحكومة على تحسين الاقتصاد خلال السنوات الثلاث القادمة".
المفارقة أن هذا الخطاب يأتي بالتزامن مع حراك شبابي إلكتروني تحت وسم #كفاية_خراب و #ارحل_يا_سيسي حيث تتصدر مقاطع الفيديو الساخرة من مشروعات العاصمة الإدارية، وصفقات السلاح، وحتى تصريحات السيسي نفسه، قائمة المحتويات المتداولة.
من وراء هذه الحملات؟
أشارت تقارير إعلامية، منها تقرير لمنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (DAWN)، إلى أن حملات الاصطفاف الأخيرة تُدار من خلال شركات علاقات عامة تتلقى تمويلًا حكوميًا، وأغلب المشاركين فيها حسابات مزيفة أو حديثة النشأة.
وكشف الناشط التقني عمرو خالد أن أكثر من 60% من الحسابات التي استخدمت وسم #الاصطفاف_الوطني_ورا_السيسي تم إنشاؤها بعد 1 مايو 2025، ما يرجّح أن الأمر حملة منظمة وليست تلقائية.
تداعيات مرتقبة
يشير مراقبون إلى أن السخرية الشعبية من مثل هذه الحملات قد تكون مؤشرًا على فقدان النظام لأحد أدواته التقليدية: التحكم في المزاج العام عبر الإعلام.
ومع غياب الانتخابات النزيهة وانسداد الأفق السياسي، فإن محاولة إنتاج "شرعية إلكترونية" بائسة قد تزيد من السخط العام، بدلاً من تهدئته.
في الوقت الذي تتجه فيه الدولة نحو المزيد من التقشف والانكماش، يتضح أن وسم "الاصطفاف الوطني" ليس إلا محاولة للتغطية على الفشل العميق، فالدعوة للاصطفاف خلف نظام أرهق المواطنين اقتصاديًا وسياسيًا، تواجهها اليوم موجة وعي وسخرية ورفض، قد تشكل بداية لانبعاث صوت شعبي جديد يطالب بالحساب لا بالاصطفاف.