اتخذت الحرب بين إسرائيل وإيران مسارًا تصاعديًا مدروسًا، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق أهدافه الإستراتيجية عبر خطوات متدرجة، بحسب ما أكده الخبير العسكري اللواء فايز الدويري.
ووفقًا لرؤيته، فإن إسرائيل تهدف إلى تدمير كامل للبنية التحتية النووية الإيرانية، في حين تسعى طهران إلى الحفاظ على معادلة الردع المتوازن وردع أي هجوم شامل.
وفي هذا السياق، واصلت المقاتلات الإسرائيلية غاراتها الجوية على منشآت نووية حساسة في نطنز وبوشهر وأصفهان والعاصمة طهران، وشملت الهجمات مفاعل آراك المعروف بنشاطه في إنتاج البلوتونيوم.
في المقابل، ردت إيران بضربات صاروخية موجعة طالت مواقع حيوية في قلب إسرائيل، من بينها مقر قيادة الاستخبارات العسكرية وسوق البورصة، فيما أدت الانفجارات إلى أضرار جسيمة في مستشفى "سوروكا" بمدينة بئر السبع.
ويشير هذا التطور إلى أن المواجهة باتت تتجاوز الضربات الرمزية أو المحدودة، لتأخذ طابعًا أكثر شمولًا في استهداف البنية التحتية الحساسة للطرفين، ما يثير تساؤلات حول احتمالات الانزلاق إلى حرب مفتوحة في المنطقة.
تدمير بنية إيران النووية
ووفقا لما قاله الدويري فإن إسرائيل تحاول تدمير كافة البنية التحتية النووية الإيرانية خلال هذه الحرب، بما فيها تلك التي تستخدم في البحث العلمي، وليس لتخصيب اليورانيوم مثل المفاعل التابع لجامعة طهران، أو مفاعل آراك الذي يصنع البلوتونيوم، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
ويعكس هذا السلوك الإسرائيلي رغبة واضحة في محو كل ما يتعلق بالطاقة النووية في إيران، وهو ما دفعها للتفكير في تنفيذ عملية برية لتدمير منشأة "فوردو" التي لا تملك قدرات تمكنها من ضربها، وفق الدويري.
ويتمثل الهدف النهائي من كل هذه الضربات في التفرد الإسرائيلي بقوة الردع لإملاء الشروط على إيران التي تريدها إسرائيل منهكة وليست مفككة، لأن تفكيكها لن يكون في مصلحة أي طرف بالمنطقة.
في المقابل، تستهدف إيران من تصعيدها المتدرج إلى الحفاظ على الردع المتوازن الذي يقوم على رد الضربة بضربة بحيث تمنع إسرائيل من فرض شروطها، وفق الدويري.
ويعتبر الردع المتوازن عنوانا رئيسيا لضربات إيران التي لا تقارن بإسرائيل تقنيا ولا جويا ومع ذلك هي قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بها كما حدث صباح اليوم.
معركة صبر إستراتيجي
ومن ثم فإن الصبر الإستراتيجي يصب في صالح إيران التي تملك مساحة قدرها 1.6 مليون كيلومتر مربع يعيش فيها 85 مليون نسمة مقابل إسرائيل التي لا تزيد مساحتها على 20 ألف كيلومتر مربع يعيش فيها نحو 10 ملايين نسمة (8 ملايين إسرائيلي ومليوني عربي).
وهذا ما دفع الإيرانيين إلى توجيه ضربة عنيفة صباح اليوم مع سماح الحكومة الإسرائيلية بالعودة التدريجية لمقار عملهم، مما يعني عودة توقف عجلة الاقتصاد مجددا.
وتتوقف قدرة إيران على إيلام إسرائيل على حجم التورط الأميركي في المعركة، لأنها لا تزال حاليا في مرحلة المشاركة الدفاعية، بينما لو انخرطت في الجانب الهجومي من الحرب فقد تنشر طهران ألغاما في مضيقي هرمز وباب المندب، مما يعني توقف توريد 20% من النفط العالمي.
ويمكن لإيران أيضا ضرب ما يصل إلى 63 قاعدة وتمركزا عسكريا أميركيا في دول المنطقة، وأخرى في مناطق أخرى بالعالم، كلها خيارات بيد إيران حتى لو لم تستخدمها، كما يقول الدويري.
استهداف منشأة فوردو
وعلى الجانب الآخر تستهدف إسرائيل منشأة فوردو، وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس -قبل يومين- أنه "سيتم التعامل معها بالتأكيد".
ولتحقيق ذلك، تواجه إسرائيل معضلة كبيرة، إذ توجد هذه المنشأة تحت الأرض بعمق قد يصل إلى 80 مترا -وفق تقارير صحفية- مما يعقد كثيرا مهمة المقاتلات الإسرائيلية في تدميرها.
ووفق الخبير العسكري العقيد حاتم كريم الفلاحي، فإنه بإمكان إسرائيل ضرب هذه المنشأة النووية، بحيث تعطل محطات توليد الطاقة وغيرها، مما سيؤدي إلى تعطيل عملها.
لكن تدميرها يبقى بيد الولايات المتحدة الأميركية، التي تمتلك قاذفات "بي-2" الإستراتيجية التي تستطيع وحدها حمل قنبلة "جي بي يو 57" القادرة فقط على الوصول إلى أعماق هذه المنشأة.
وحسب الفلاحي، فإن الولايات المتحدة وحدها من تمتلك هذه القنبلة، ولم تصنع منها سوى أعداد محدودة، ولم تمنحها لأي دولة في العالم، مشيرا إلى أن هذا الأمر يخضع إلى قرار سياسي وعسكري أميركي.
وتخرق "جي بي يو 57" 60 مترا من الخرسانة المسلحة و40 مترا من الصخور، "لذلك ربما لا تصل هذه القنبلة إلى الأعماق"، مما يتطلب "استخدام أكثر من قنبلة لهذا المكان للوصول إلى عمقه"، وفق الخبير العسكري.
ونفى الفلاحي قدرة طائرة "سي 130" على تدمير منشأة فوردو، مؤكدا أنها طائرة نقل تكتيكية غير مصممة لاستيعاب قنابل "جي بي يو 57″، التي تزن الواحدة منها 3600 كيلوغرام.
وشدد على أنه "لا يمكن لهذه الطائرة تنفيذ عملية الإلقاء لهذه القنبلة، لأنها غير مزودة بأنظمة ملاحة للتوجيه".
يشار إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت قال إن الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب فقط هما القادران على تدمير منشأة فوردو النووية استنادا إلى "القنابل العملاقة الخارقة من نوع (جي بي يو 57)".
وأكد غالانت -في مقال- أن "3 إلى 8 قنابل من ذلك النوع تكفي لتعطيل منشأة فوردو"، مشددا على أن إسرائيل "ليست قادرة بمفردها على تدمير المنشأة" المدفونة في أعماق الجبال بالقرب من مدينة قم جنوبي العاصمة طهران.
وبدأت إسرائيل فجر 13 يونيو الجاري، بدعم أميركي ضمني، هجوما واسعا على إيران بقصف مبانٍ سكنية ومنشآت نووية وقواعد صواريخ واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين ومدنيين.