ممدوح الولي
خبير اقتصادي ونقيب الصحفيين سابقًا
مع الهجوم الإسرائيلي على إيران في الثالث عشر من الشهر الحالي، قامت إسرائيل بإيقاف الإنتاج من حقل ليفايثان الرئيسي لإنتاج الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط، وكذلك حقل كاريش. ونظرًا لاعتماد كل من مصر والأردن بدرجة كبيرة على الغاز المنتج من ليفايثان، والذي لم يُعلن بعد عن موعد إعادة تشغيله، وكان من المفترض أن يرتبط ذلك بمسار الحرب الدائرة حاليًا بين إسرائيل وإيران.
فقد بدأت مصر في البحث عن بدائل لتعويض نقص وارداتها من الغاز الإسرائيلي، سواء بزيادة حصة المازوت في تشغيل محطات إنتاج الكهرباء، أو بحث إدخال السولار كذلك لمحطات إنتاج الكهرباء، لكنها مستوردة أيضًا لكلا من المازوت والسولار. ولهذا، تسارع لإدخال سفينتي تغويز تعيدان الغاز الطبيعي المسال المستورد إلى الحالة الغازية، إلى العمل؛ واحدة أواخر الشهر الحالي، والأخرى الشهر المقبل، لزيادة طاقة تحويل الغاز المسال المستورد، والذي يقتصر حاليًا على سفينة تغويز واحدة بميناء السخنة.
واكب ذلك التوجه المصري بإيقاف توجيه الغاز الطبيعي إلى صناعة الأسمدة، والصناعات كثيفة استخدام الطاقة كالحديد والزجاج والسيراميك، بل وحتى إلى عدد من الصناعات الغذائية. وحتى لتوفير كميات إضافية من المازوت لمحطات إنتاج الكهرباء، فقد خفضت من توجيه المازوت لعدد من الصناعات، مع التوجه لاستيراد كميات إضافية منه. وهكذا انخفضت الطاقات التشغيلية لعدد من الصناعات بسبب نقص الوقود، خاصة شركات الأسمدة والبتروكيماويات، مما سيؤثر على صادراتها. كما قامت شركات الأسمدة بوقف إمداد الجمعيات الزراعية بالسماد، مما يؤثر على كفاءة المنتج بعدد من المحاصيل الصيفية.
زيادة تكلفة النفط والغاز المستورد
من ناحية أخرى، يحتاج تشغيل سفينتي التغويز إلى المزيد من استيراد شحنات الغاز المسال من العديد من الشركات الدولية التي تعاقدت معها مصر، وبأسعار تزيد عن الأسعار العالمية مقابل تأجيل سداد قيمتها بعض الوقت. الأمر الذي يزيد تكلفة تلك الشحنات، خاصة مع تسبب الحرب الحالية في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي دوليًا، مثلما حدث مع أسعار النفط التي زادت هي الأخرى بسبب الحرب. ولأن مصر مستوردة لكلا الموردين للطاقة، الغاز والنفط، فإن تكلفة استيرادهما سترتفع في بلد يعاني من عجز تجاري مزمن.
مسار آخر يتوقع الكثيرون أن تسلكه الحكومة المصرية لمواجهة زيادة تكاليف استيراد الغاز الطبيعي والمازوت، وهو خفض الدعم المقدم للمحروقات والكهرباء في الأسابيع المقبلة. وهذا ما يساعدها أيضًا على الاستجابة لمطلب صندوق النقد الدولي بخفض الدعم، مما يسرع من موافقة الصندوق على منح مصر الشريحة المقررة من قرضه لها، والبالغة 1.2 مليار دولار، والتي لم يعلن الصندوق بعد عن موعد صرفها حتى تستجيب الحكومة المصرية لبعض مطالبه.
من ناحية أخرى، فقد تسببت الحرب في تسييل بعض المستثمرين الأجانب لاستثماراتهم في أدوات الدين الحكومي المصري – أو ما يطلق عليه الأموال الساخنة – جانبًا من استثماراتهم. الأمر الذي ضغط على سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، وهو عامل إضافي يزيد من تكلفة الواردات المصرية ويربك الأسواق.
حيث امتنع موردو الذرة الصفراء التي تُستخدم بمزيج الأعلاف للإنتاج الحيواني عن البيع، ترقبًا لاستقرار سعر الصرف، خشية عدم استطاعتهم الاستيراد للذرة بنفس الأسعار السابقة. والنتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف بالأسواق، مما يؤثر على أسعار منتجات الإنتاج الحيواني من دواجن ولحوم وبيض.
تأثر السياحة وطرح الصكوك خارجيًا
وتسببت الحرب، التي أدت إلى إغلاق المجال الجوي لإسرائيل والعراق والأردن ولبنان، في قيام أكثر من 10% من الوفود السياحية المرتقب وصولها لمصر بإلغاء حجوزاتهم، خاصة الوفود التي تقوم برحلات مشتركة تزور خلالها كلا من مصر والأردن وإسرائيل خلال الرحلة الواحدة. ومن ناحية أخرى، أفادت شركات سياحية مصرية بتراجع الحجوزات الجديدة لتنظيم رحلات سياحية إلى مصر بنسبة أكبر من 70%.
وتسببت تداعيات الحرب في طلب البنوك المصرية سعر فائدة أعلى لإقراض الحكومة خلال شراءها لأدوات الدين الحكومي من أذون خزانة وسندات، بنسب فائدة تفوق الثلاثين بالمائة. وهو أمر من شأنه دفع البنك المركزي لتأجيل مسعاه للخفض التدريجي لأسعار الفائدة، واستمرار أسعار الفائدة الحالية المرتفعة التي يشكو منها أصحاب الشركات. كما تؤثر أسعار الفائدة المرتفعة في نفس الوقت بزيادة تكلفة الفائدة بمصروفات الموازنة الحكومية، والتي تمثل المصروف الأكبر بالمقارنة لباقي أنواع المصروفات من أجور ودعم واستثمارات.
كما توقع مختصون أن تتسبب تداعيات الحرب في صعوبة قيام مصر بطرح سندات أو صكوك خارجيًا ومحليًا، مما يزيد من صعوبات تدبير تمويل الدين المحلي والخارجي. ونفس الأمر يتعلق بصعوبة تنفيذ برنامج الطروحات للشركات الحكومية السابق الإعلان عنها، والتي تساهم حصيلتها في جلب موارد للموازنة المصرية تساعدها على علاج العجز المزمن بها.
وكانت البورصة المصرية قد تأثرت سلبًا نتيجة نشوب الحرب، مثلها مثل باقي الأسواق العربية، بتراجع مؤشرات أسعارها، حيث يفضل بعض المستثمرين الأجانب في البورصة المصرية الخروج إلى أسواق أقل مخاطرة حتى تظهر ملامح انتهاء الحرب.
تريث الاستثمار الأجنبي المباشر
وإذا كان المستثمر الأجنبي في البورصة يفضل الخروج حتى تهدأ الأمور، فإن نفس الأمر يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر الذي كان ينتوي الدخول للبلاد. حيث سيتجه هؤلاء إلى التريث في الدخول ترقبًا لما ستسفر عنه المعارك الدائرة، خاصة وأن احتمالات انخراط الولايات المتحدة بالحرب تتزايد، في ظل توجه حاملات طائرات أمريكية لمنطقة الخليج العربي، وتهديدات الرئيس الأمريكي للقادة الإيرانيين بالاستسلام وتحذيره لسكان طهران بمغادرتها، وموقف الدول السبع الكبرى من إيران وتبريرها للعدوان الإسرائيلي عليها بدفاعها عن نفسها، وما قدمته بريطانيا من عون عسكري واستخباراتي لإسرائيل، وموقف ألمانيا المساند لها.
وهكذا، ستتأثر عدة موارد للعملات الأجنبية لمصر، أبرزها السياحة والاستثمار الأجنبي بنوعيه الحافظة والمباشر، والصادرات، في نفس الوقت الذي تزيد فيه تكلفة الواردات نتيجة تغير سعر الصرف، مما يزيد من صعوبات سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي، خاصة مع صعوبات طرح سندات وصكوك مصرية بالخارج في الوقت الحالي، والتي كان مقررًا طرحها لتساهم في سداد أقساط وفوائد الديون.
وتظل درجة تأثر الاقتصاد المصري بتداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية مرهونة بتطورات تلك الحرب خلال الأيام المقبلة. حيث يتسبب سرعة انتهاء الحرب والدخول في مفاوضات في انحسار تلك الآثار السلبية، وخاصة سعر الصرف، بينما يتسبب تصاعد العمليات ودخول الولايات المتحدة الحرب في إمكانية التصعيد، وإغلاق إيران لمضيق هرمز الذي تمر من خلاله يوميًا أكثر من 20 مليون برميل نفط خام، وحوالي 20% من صادرات الغاز المسال دوليًا.
الأمر الذي يؤثر على سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار الشحن البحري، وأسعار التأمين البحري، وعدد سفن نقل النفط والغاز المسال العابرة لقناة السويس، وعلى ارتفاع أسعار النفط، مما يؤثر على أسعار السلع المستوردة سواء المنقولة بحرًا أو جوًا، وعلى التضخم المحلي الذي ينعكس بدوره على أسعار الفائدة المحلية، بل وعلى التصنيف الائتماني لمصر حسب تحذير وكالة فيتش مؤخرًا لدول المنطقة بسبب زيادة المخاطر بها، وما يسببه ذلك من تراجع للاستثمارات الواردة إليها وزيادة تكلفة الاقتراض الخارجي.