تحولت مدينة طابا بمحافظة جنوب سيناء، الواقعة على الحدود مع الأراضي المحتلة، إلى ممر حيوي للإسرائيليين الفارين من التصعيد العسكري العنيف بين تل أبيب وطهران، في أعقاب الضربات الإيرانية التي استهدفت منشآت استراتيجية داخل إسرائيل وأدت إلى إغلاق متكرر للمجال الجوي.

وبينما تلعب مصر دور الوسيط الإقليمي في تهدئة الأزمات، وجدت نفسها في موقف معقد، إذ بات معبر طابا أشبه بـ"بوابة نجاة" للهاربين من القصف، في وقت تتصاعد فيه مشاعر الغضب الشعبي من التسهيلات الممنوحة لمواطني دولة الاحتلال، بالتوازي مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية.
 

معبر طابا يضيق بآلاف الفارين
   
على مدى أيام، شهد معبر طابا تدفق آلاف الإسرائيليين والأجانب، بينهم دبلوماسيون وموظفون دوليون، سارعوا لعبور الحدود إلى الأراضي المصرية، بهدف الانتقال لاحقًا إلى شرم الشيخ ثم مغادرة البلاد عبر مطارها الدولي.

ويؤكد مصدر دبلوماسي أوروبي في القاهرة أن الخارجية المصرية "أبدت احترافية عالية في التعامل مع طلبات الإجلاء، ونسّقت سريعًا مع الأجهزة الأمنية لتأمين الممرات اللازمة".

في المقابل، تضج منصات التواصل الاجتماعي المصرية بالغضب، إذ يرى كثير من المصريين أن هذه التسهيلات تمثل تطبيعًا مرفوضًا على الأرض، في وقت يُمنع فيه الفلسطينيون من المرور عبر معبر رفح المحاصر، ويُحاصر فيه سكان غزة حتى الموت.
 

سيف الدولة: امتيازات صهيونية في سيناء... وازدواجية خطيرة
   يقول المفكر السياسي محمد سيف الدولة، مؤسس حركة "مصريون ضد الصهيونية": "ما يجري اليوم يعيدنا إلى زمن الامتيازات الأجنبية أيام الاحتلال البريطاني. فالإسرائيلي يُستقبل على أرضنا دون تأشيرة، ويقيم دون رقابة، ويُختم جواز سفره بورقة منفصلة بناءً على طلبه، وكأننا نخجل من حقيقة دخوله".

ويشرح أن الاتفاقية الموقعة في فبراير 1989 بين مصر وإسرائيل تتيح للإسرائيليين دخول جنوب سيناء دون تأشيرة والإقامة لمدة تصل إلى 14 يومًا، دون رسوم أو قيود حقيقية، وسط تفتيش جمركي سطحي، ما يمنحهم امتيازات لا تُمنح لأي جنسية أخرى.

ويحذر سيف الدولة من أن "التهديد لا يقتصر على السياحة أو الرمزية السياسية، بل يتعدى إلى اختراق أمني وثقافي ناعم، وسط تواصل مباشر بين الإسرائيليين والمصريين، في مقابل فرض حصار مشدد على الفلسطينيين، وحرمان مصريين مقيمين في غزة من أبسط حقوق العودة المؤقتة إلى بلدهم".
 

مفارقة فادحة في حرية التنقل
   بينما تنتقل الحافلات محمّلة بالإسرائيليين من طابا إلى فنادق شرم الشيخ أو نحو أوروبا، يُمنع المصري المقيم في غزة أو فلسطين من العودة البرية السريعة، رغم قانونيته، ويُجبر على سلوك مسارات معقدة تبدأ من القاهرة وتشمل طلب تصريح أمني قد يستغرق شهورًا بلا ضمان.

وتقول "رابطة المصريين في إسرائيل" إن هذا الوضع يمثل "تمييزًا سلبيًا ضد مواطن مصري، فقط لأنه يقيم في إسرائيل"، وتصفه بـ"الازدواجية الصارخة في تطبيق الاتفاقات".
 

السياحة: أرقام مرتفعة... لكنها زائفة
   على المستوى الاقتصادي، ورغم تسجيل ارتفاع مؤقت في نسب الإشغال الفندقي بطابا وشرم الشيخ، إلا أن المسؤولين يؤكدون أن هذه الزيادة "وهمية".
إذ يقول مسؤول سياحي: "الإسرائيليون لا يقيمون إلا لليلة أو اثنتين قبل المغادرة إلى وجهات أخرى. هم لا يأتون للسياحة، بل للهرب. التأثير المالي ضئيل، وليس هناك أي خطة رسمية لاستثمار هذا التدفق".
 

بين الوساطة والحياد... الدور المصري تحت المجهر
   لطالما لعبت مصر دور الوسيط بين القوى المتنازعة في المنطقة، لكن الأزمة الأخيرة كشفت تحوّل موقعها إلى فاعل مباشر في إدارة التداعيات الإنسانية والأمنية.
وقد تزامن ذلك مع تنسيق دبلوماسي محموم، خصوصًا من السفارات الأجنبية التي طلبت تأمين ممرات للإجلاء.

مع ذلك، لم يُخفِ المواطنون المصريون قلقهم من أن تتحول سيناء إلى "منطقة عبور آمن" للإسرائيليين فقط، في حين يُفرض على الفلسطينيين والمصريين المقيمين بالخارج إجراءات تعسفية ومعقدة.
 

من مناحيم بيغن إلى آفي ديختر.. الحلم الصهيوني لم ينتهِ
   يذكّر سيف الدولة بتصريحات قادة إسرائيليين بعد اتفاقية السلام، مثل مناحيم بيغن الذي قال إن إسرائيل "ستعود إلى سيناء حين يوجد ثلاثة ملايين يهودي مستعدون لاستيطانها"، ووزير الأمن آفي ديختر الذي أشار عام 2008 إلى أن الانسحاب من سيناء "تم بضمانات أميركية تتيح العودة في حال تغيُّر النظام المصري".

ويعلّق سيف الدولة: "هذا التفكير الاستراتيجي لم يمت. وما يحدث اليوم في طابا قد يكون، في نظرهم، نواة جديدة لهذا المشروع".
 

منشورات إسرائيلية تشيد بسيناء... ومصريون يرفضون
   في خضم التصعيد، كتب مسؤول مجموعة "محبي سيناء" الإسرائيلي، غي شيلو، منشورًا يقول فيه: "نحن نشعر بأمان في سيناء. تعالوا، فالحياة تستمر حتى في زمن الحرب."

في المقابل، كتب مصريون على المنصات: "العدو يُستقبل كضيف، وأبناء غزة يُذبحون، والمصري يُهان إذا أراد العودة، هذه ليست دولة، هذا عبث".