الإيجار القديم على صفيح ساخن... غضب شعبي قبل مناقشة القانون في البرلمان والمستأجرون يلوحون بالتصعيد
الأربعاء 25 يونيو 2025 11:00 م
في تصاعد جديد لأزمة قانون الإيجار القديم، دعت مجموعات من المستأجرين إلى تنظيم وقفات احتجاجية سلمية، تزامنًا مع اقتراب مناقشة البرلمان لتعديلات حكومية وُصفت بـ"الكارثية"، وسط تحذيرات من نشطاء ومختصين من تداعيات اجتماعية قد تصل إلى حد "الانفجار المجتمعي"، بسبب ما يعتبرونه تهديدًا صريحًا لحق الملايين في السكن.
جاءت هذه الدعوات خلال مؤتمر مشترك عقدته الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية ورابطة المستأجرين بمقر حزب الكرامة في القاهرة، يوم أمس، وسط حضور نوعي يعكس حالة الاحتقان والقلق لدى شرائح واسعة من المواطنين، خصوصًا كبار السن وأصحاب المعاشات.
وكانت اللجنة البرلمانية المختصة بمجلس النواب قد وافقت، الثلاثاء قبل الماضي، على تعديلات مثيرة للجدل في قانون الإيجار القديم، تتضمن مد الفترة الانتقالية لتحرير العلاقة الإيجارية إلى سبع سنوات بدلًا من خمس، وزيادة القيمة الإيجارية إلى 20 ضعفًا من القيمة الحالية في بعض المناطق، مع وضع حد أدنى لا يقل عن ألف جنيه شهريًا.
واعتبر النائب ضياء الدين داود، أحد أبرز معارضي التعديلات، أن مشروع القانون يمثل "قنبلة موقوتة" تهدد السلم المجتمعي وتضر بالاستقرار الأسري، فيما طالبت أصوات داخل البرلمان بإرجاء المناقشة لحين دراسة التأثيرات المتوقعة على المواطنين من محدودي ومتوسطي الدخل.
غضب واستنفار داخل المؤتمر
خلال فعاليات المؤتمر، عبّر المشاركون عن رفضهم القاطع للتعديلات، محذرين من "تشريد جماعي" و"ضغوط معيشية غير مسبوقة" ستطال ملايين المصريين حال تمرير القانون بصيغته الحالية.
وقال رئيس حزب الكرامة، سيد الطوخي، إن "القانون المقترح يستهدف الطبقة المتوسطة التي تعاني أصلًا من ضغوط اقتصادية شديدة"، مضيفًا: "اليوم يتم تهديد ما تبقى من مكتسباتها، وعلى رأسها السكن، الذي يُعد من أبسط حقوق الإنسان".
وأكد الطوخي أن السلطة التنفيذية تُفصل القوانين بما يخدم أهدافها، متهمًا الحكومة بـ"محاولة ضرب المجتمع من الداخل"، داعيًا إلى أساليب احتجاج سلمية مثل رفع الرايات السوداء على المنازل، أو الاعتصامات الرمزية داخل الأحياء، بهدف إيصال صوت المستأجرين إلى الرأي العام.
وشهد المؤتمر تفاعلًا كبيرًا، إذ قالت إحدى المشاركات بصوت غاضب: "إحنا مش لاقيين ناكل أصلًا، هنجيب منين فلوس للإيجار؟ وكمان كام سنة هنتطرد من شققنا؟".
فيما أكد آخر أنه لا يستطيع تحمل الزيادات المقترحة بعد خروجه على المعاش، ولا يمكنه شراء وحدة في مشروعات الإسكان الجديدة التي تتجاوز أسعارها مليون جنيه.
تنظيم وتحركات ميدانية رغم التضييق الأمني
في خطوة تنظيمية، بدأ أحد أعضاء حزب الكرامة في تجميع بيانات الحضور وتكوين مجموعة على تطبيق "واتساب" لتنسيق التحركات ومتابعة مستجدات الأزمة، في ظل تعقيد المشهد وتضييق هامش التعبير العلني.
ووجه القيادي بالجبهة الشعبية وممثل رابطة المستأجرين، زهدي الشامي، انتقادات حادة لما سماه "التضييق الأمني على أنشطة المستأجرين"، مشيرًا إلى صعوبة الحصول على موافقات لعقد ندوات ومؤتمرات عامة، مضيفًا أن "قاعة حزب الكرامة الصغيرة أصبحت الملاذ الوحيد لعقد هذه اللقاءات".
وقال الشامي إنه تلقى تحذيرات من مسؤولين في الدولة بعدم تنظيم أي احتجاجات، على الرغم من الغضب الكبير المتصاعد، مؤكدًا أن الرابطة لا تسعى إلى المواجهة وإنما تسعى للتعبير السلمي عن المطالب.
وكشف الشامي أن الأمن منع مؤتمرًا كان من المقرر عقده بالإسكندرية في مقر حزب التحالف الشعبي، الجمعة الماضية، محاصرًا المكان ومنع المستأجرين من الوصول، ما اعتبره دليلاً إضافيًا على ما وصفه بـ"السياسات القمعية" تجاه الفئات المتضررة.
اعتقال محامٍ ومخاوف من التصعيد
أدان الشامي كذلك اعتقال محامي الرابطة، أيمن عصام، واصفًا إياه بمحاولة "لكتم صوت المستأجرين وإجهاض أي تنسيق قانوني معهم". وقال إن عصام ظهر أمام نيابة أمن الدولة بالقاهرة السبت الماضي، حيث تم التحقيق معه لساعات قبل صدور قرار بحبسه 15 يومًا.
ووصف عدد من الحضور مشروع القانون بأنه "حكم بالإعدام على ما تبقى من كرامة المواطنين"، محذرين من اضطرار بعض الأسر للنوم في الشوارع إذا تم تنفيذ ما جاء في نصوص التعديلات.
تحذيرات نقابية وقانونية
لم يقتصر الرفض على الجمعيات والروابط الأهلية، بل امتد إلى نخب مهنية، إذ حذر نقيبا المهندسين والأطباء، في وقت سابق، من مخاطر التعديلات، معتبرين أنها "تفتقد للعدالة الاجتماعية" و"تنذر بتفجير اجتماعي حقيقي".
كما حذّرت المحامية بالنقض ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، من أن القانون يهدد النساء بشكل خاص، اللواتي قد يجدن أنفسهن في مواجهة مباشرة مع ملاك العقارات، في غياب منظومة حماية اجتماعية عادلة.
وقالت السعيد إن "مشروع القانون يهدم فكرة الاستقرار السكني، ويؤجج النزاعات الأسرية، ويضاعف الأعباء على الفئات الأضعف".
خلفية دستورية وتشريعية
ويأتي هذا القانون استنادًا إلى حكم صادر عن المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2023، بعدم دستورية تثبيت قيمة الإيجارات في العقارات السكنية الخاضعة لقانون 136 لسنة 1981، حيث ألزم الحكم البرلمان بالتدخل التشريعي "لإحداث توازن في العلاقة بين المالك والمستأجر".
وسبق أن دعا عبد الفتاح السيسي، في أكتوبر 2023، إلى إعادة النظر في قانون الإيجارات القديمة، مشيرًا إلى أن هناك نحو مليوني وحدة سكنية فارغة غير مستغلة بسبب هذا القانون.