شهد إنتاج البطاطا الحلوة في مصر خلال موسم 2025 اضطراباً ملحوظاً نتيجة تأخر جزء كبير من زراعتها، حيث أقدم عدد من المزارعين على تأجيل موعد الزراعة المعتاد، أملاً في تأمين أسعار أفضل للمحصول لاحقاً، وأظهرت البيانات الأولية لوزارة الزراعة انخفاض المساحات المزروعة بالبطاطا الحلوة بنسبة تقارب 15% مقارنة بعام 2024، وهو ما أثار مخاوف من حدوث فجوة في العرض بالسوق المحلي، وربما تأثر الصادرات خلال الربع الأخير من العام.

وقد بلغت المساحة المزروعة بالبطاطا الحلوة في 2024 حوالي 46 ألف فدان، بينما لم تتجاوز 39 ألف فدان في 2025 حتى منتصف يوليو، بحسب تقرير صادر عن الإدارة المركزية للمحاصيل البستانية.

 

دوافع التأخير.. لعبة الأسعار والقلق من الخسارة

يُعزى تأخر الزراعة هذا الموسم إلى مخاوف المزارعين من انخفاض الأسعار بشكل مفاجئ كما حدث في العام الماضي، حيث تعرض المنتجون لخسائر كبيرة نتيجة انهيار الأسعار بعد وفرة في المعروض.

وفي تصريحات أدلى بها المهندس ياسر الجزار، أحد مزارعي محافظة البحيرة، قال: "نحن نزرع البطاطا الحلوة ولكن السوق لا يرحم، في 2024 بعنا الطن بسعر 1900 جنيه، وهو أقل من تكلفة الزراعة نفسها، قررنا التأخير هذا العام حتى تقل المساحات ويعلو السعر، لكننا لم نحصل بعد على نتائج واضحة."

المزارعون يعانون كذلك من غياب التسعير العادل أو العقود المسبقة مع التجار أو الجهات الحكومية، مما يجعلهم تحت رحمة تقلبات السوق. وقد أكد اتحاد الفلاحين أن هذا النمط يضع الزراعة المصرية في دائرة مفرغة من العشوائية والتقلب.

 

الصادرات في مهب الريح

البطاطا الحلوة المصرية تعد من المحاصيل التصديرية المهمة، خصوصاً في أسواق أوروبا وروسيا والخليج، وقد صدّرت مصر خلال عام 2023 قرابة 70 ألف طن بقيمة تتجاوز 40 مليون دولار، وفقاً لتقارير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.

لكن هذا العام، توقعت شعبة الحاصلات الزراعية في غرفة القاهرة التجارية انخفاض حجم التصدير بنسبة تصل إلى 20% بسبب ضعف الإنتاج، خاصة في شهري أكتوبر ونوفمبر.

وأشار خبير التصدير الزراعي أحمد فوزي إلى أن مصر قد تخسر بعض الأسواق لصالح دول أخرى مثل إسبانيا والمغرب، في حال لم تُعالج الفجوة الإنتاجية.

 

من المسؤول؟ غياب الدعم الحكومي والتخطيط

رغم أهمية المحصول، فإن حكومة السيسي لم توفر أي دعم مباشر لمزارعي البطاطا الحلوة سواء في صورة دعم تمويلي، أو توفير تقاوي معتمدة، أو حتى إرشادات فنية منظمة، ويشتكي المزارعون من تجاهل الدولة لهم، وغياب أي برامج تحفيزية أو حماية من تقلبات السوق.

يقول حسين عبد العال، مزارع من كفر الشيخ: "كل الدعم يذهب لرجال الأعمال أو مشروعات استثمارية كبيرة، بينما نحن نُترك لمصيرنا، لا تأمين زراعي، لا دعم لأسعار الأسمدة، ولا خطة لشراء المحاصيل بسعر ضمان."

وكانت وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب قد أعلنت في 2023 عن نية لتأسيس شركة زراعية للتسويق المركزي للمحاصيل التصديرية، لكن حتى منتصف 2025 لم يبدأ التنفيذ، وهو ما اعتبره مراقبون وعداً حكومياً جديداً لم يدخل حيز الواقع.

 

تحديات أخرى تواجه المحصول

إلى جانب مشاكل التسويق والدعم، تواجه زراعة البطاطا الحلوة تحديات أخرى، من أبرزها:

  • نقص مياه الري: مع خفض منسوب المياه المتاحة للمزارعين في بعض المناطق، تأثرت بعض الأراضي الزراعية سلباً.
  • الأسمدة والمبيدات: ارتفاع أسعار الأسمدة بنسبة 30% خلال النصف الأول من 2025 جعل الكثير من المزارعين يخفضون كميات الاستخدام، ما أثّر على جودة المحصول.
  • قلة التقاوي الجيدة: لا توفر وزارة الزراعة أصناف تقاوي معتمدة بكميات كافية، ما يضطر المزارعين لشراء تقاوي مجهولة المصدر.
  • الآفات الزراعية: لوحظ انتشار بعض الحشرات التي تهاجم الجذور، مثل حفار الساق، دون استجابة فعالة من الإدارات الزراعية في المحافظات.

 

دعوات لتغيير السياسات الزراعية

طالب خبراء الاقتصاد الزراعي حكومة الانقلاب بضرورة إعادة النظر في أولويات دعمها الزراعي، وقال الدكتور مصطفى كمال، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة عين شمس: "دعم الزراعة يجب ألا يقتصر على القمح أو القطن، بل يجب أن يمتد للمحاصيل التصديرية عالية العائد مثل البطاطا الحلوة، التي يمكن أن تعزز من احتياطي النقد الأجنبي."

كما دعا إلى ضرورة تأسيس هيئة وطنية لتسويق المحاصيل الزراعية تتولى وضع أسعار استرشادية للمزارعين، وتنظيم العقود مع المصدرين، مع ربط التمويل البنكي بإنتاجية المحاصيل الفعلية.

 

تجاهل متعمد؟

يرى بعض المراقبين أن تجاهل حكومة السيسي لمطالب المزارعين ليس نابعاً فقط من ضعف التخطيط، بل ربما من سياسة أوسع تهدف لتهميش صغار المنتجين لصالح كبار المستثمرين الزراعيين.

وأشار تقرير لمبادرة الفلاح أولاً في يونيو 2025 إلى أن أكثر من 60% من الدعم الزراعي يذهب لمزارع الشركات أو مستثمري الأراضي الصحراوية، بينما يتم تجاهل الفلاحين التقليديين في الدلتا وصعيد مصر.

ويختم التقرير بدعوة واضحة للحكومة: إذا كانت الدولة جادة في تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاستيراد، فعليها أن تبدأ بدعم الفلاح لا المستثمر فقط.

إنذار زراعي مبكر

يمثل تأخر إنتاج البطاطا الحلوة هذا العام إنذاراً مبكراً بمشكلة هيكلية في الزراعة المصرية: غياب التخطيط، ضعف الدعم، وفوضى السوق، ومع استمرار هذا النهج، ليس مستبعداً أن تشهد مصر تراجعاً مستمراً في إنتاج محاصيل أساسية، ما يعمّق أزمة الأمن الغذائي في بلد يعاني أصلاً من عجز تجاري متزايد وتضخم متصاعد.