أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية برئاسة المستشار محمود عيسى سراج الدين، حكمها بالإعدام شنقاً على المتهم نصر الدين السيد، بعد ورود رأي مفتي الجمهورية الذي أيّد حكم المحكمة بالإعدام، وصدور تقرير طبي رسمي يؤكد تمتّع المتهم بكامل قواه العقلية والنفسية وقت ارتكاب الجرائم، ما أتاح للهيئة القضائية المضي قُدماً في إصدار حكمها الباتّ.
هذا الحكم، الذي يأتي كخطوة أولى في مسار العدالة، يمثل نهاية مؤقتة لملف دموي امتد لسنوات طويلة من الغموض والصدف الدراماتيكية، حيث لم تكن الشرطة لتصل إلى المتهم لولا بلاغات سكان تفيد بسماع أصوات غريبة وانبعاث روائح كريهة من شقة في منطقة المعمورة.
القصة الكاملة: ثلاث جرائم... ومقبرة من الأسمنت
كشفت التحقيقات أن المتهم، وهو محامٍ يبلغ من العمر 52 عامًا، استدرج ضحاياه إلى شقق مستأجرة في مناطق مختلفة من الإسكندرية، ثم قتلهم بطرق وحشية متباينة، قبل أن يدفنهم تحت الأرض باستخدام طبقات من الأسمنت والرمال لإخفاء الجثث ومنع انبعاث الروائح.
الضحية الأولى كانت زوجته العرفية، السيدة "م. ف. ث"، التي نشبت بينها وبين المتهم خلافات انتهت بقتلها خنقاً داخل شقة في المعمورة، ثم دفنها تحت البلاط. بعدها بمدة، كرر السيناريو نفسه مع موكلته "ت. ع. ر"، التي كانت تطالبه برد أموال استولى عليها منها، فقام بقتلها بنفس الطريقة، ودفنها بجوار زوجته في الشقة ذاتها.
أما الضحية الثالثة فكان المهندس "م. إ. م"، الذي كان على علاقة مهنية بالمتهم، واختفى منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلى أن عُثر على جثمانه داخل شقة أخرى مستأجرة بمنطقة العصافرة، وكانت طريقة القتل هذه المرة مختلفة، إذ استُخدمت آلة حادة، بحسب ما ورد في تقارير الطب الشرعي.
جريمة بصبغة مركبة: قتل وخداع واستغلال مهني
ما زاد من وقع الجريمة فظاعة، هو استغلال المتهم لمهنته كمحامٍ في خداع ضحاياه، الذين وثقوا به بصفته ممثلاً قانونياً عنهم. وتشير تحريات الأمن إلى أن الدافع وراء الجرائم لم يكن نفسياً فقط، بل أيضاً مادياً؛ إذ كان المتهم يستولي على أموال ومقتنيات المجني عليهم بعد قتلهم، ما أضفى على أفعاله طابعًا مركبًا يجمع بين القتل العمد والاحتيال المالي.
وتُظهر سجلات التحقيق أن المتهم كان يتصرف بقدر كبير من البرود والتخطيط، وأنه استأجر الشقق بأسماء وهمية، ولم يكن يترك أثراً وراءه، ما جعل الوصول إليه صعباً للغاية لولا بلاغات السكان وورود خيوط جديدة دفعت الشرطة للتحرك.
التقرير النفسي يثبت سلامته العقلية
بناءً على السلوك المربك للمتهم في أولى جلسات المحاكمة، حيث بدا مشتتاً ومتردداً في الإجابة على أسئلة القضاة، أمرت المحكمة بإيداعه مستشفى العباسية للصحة النفسية والعصبية لمدة 15 يوماً، لعرضه على لجنة ثلاثية مختصة لفحص قواه العقلية.
وفي تقريرها الصادر بتاريخ 28 يونيو الماضي، خلصت اللجنة الطبية إلى أن المتهم سليم نفسياً وعقلياً، ويتمتع بكافة القدرات الإدراكية التي تؤهله للمثول أمام المحكمة، ما منح القضية زخماً قانونياً جديداً وأزال أي غموض حول أهلية المتهم الجنائية.
ما بعد الحكم
رغم صدور حكم الإعدام، إلا أنه حكم أول درجة، ويظل قابلاً للطعن أمام محكمة النقض خلال ستين يوماً من النطق به، ومع ذلك، يرى قانونيون أن الأدلة والاعترافات وتقارير الطب الشرعي والفحوص النفسية تمثل حزمة قوية تعزز من فرص تثبيت الحكم أمام درجات التقاضي الأعلى.