في خطوة حذرة ومريبة، أعلنت الحكومة المصرية، عبر وزير الخارجية بدر عبد العاطي الخميس، عن بدء تدريب 5 آلاف شرطي فلسطيني في مصر بالتعاون مع الأردن، تمهيدًا لنشرهم في غزة عقب انتهاء الحرب.
تلقى الإعلان ردود فعل واسعة لا سيّما أن مصر ظاهريًا داعمة لحماس-محور المقاومة، إلا أن التطورات تكشف توريطًا عميقًا في إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية على حساب الحركة.
التوقيت والمضمون يحملان رسالة واضحة: هذا ليس تدريبًا على السلام أو إعادة الإعمار فقط، بل ربما هو خطوة ضمن مخطط لتقويض نفوذ حماس لصالح شخصيات مرتبطة بعبد الفتاح السيسي -مثل محمد دحلان- وتوطيد نفوذ جهاز أمن السلطة.
ملابسات التدريب: أغراض سياسية أم إعادة بناء فعلي؟
التدريب بدأ فعليًا بحسب البيان: عقود التدريب جرى إنجازها، وقد أرسلت قوائم بأسماء العناصر (بعد فحص خلفياتهم وانتفاء "صلاتهم بالإرهاب") لتدريبهم في مصر بالتنسيق مع الأردن، ضمن رؤية لإدارة غزة بعد الحرب.
خطة تفصيلية معتمدة من القمة العربية: في قمة الجامعة العربية مارس 2025، تم تبني خطة سعودية-مصرية لإعادة إعمار غزة بنحو 53 مليار دولار، مع إنشاء "لجنة تقنية" يديرها الفلسطينيون -وتدعمها مصر- يشكّلها 15 شخصية، وتبدأ عملها خلال ستة أشهر تحت مظلّة السلطة.
محمد دحلان: رجل مصر الأقوى في لعبة الدفع إلى السلطة
- شبكة علاقات عميقة مع السيسي: دحلان الذي كان في الماضي جزءًا من أجهزة أمن السلطة في غزة، أصبح اليوم محور خطط القاهرة والإمارات لإعادة بناء القيادة الفلسطينية خارج حماس.
- محاولة إقصاء حماس: دحلان يُنظر إليه على أنه "مخلص محتمل"، يمكنه إعادة فرض سلطة فتح والسلطة الفلسطينية -بإشراف مصري إماراتي- على غزة، كما اقترح مع العمل على ضم أجهزة أمنية موالية للمشروع الجديد.
- سيناريو مشابه لما نفّذه السيسي مع الإخوان: كثير من الباحثين يرون في دعم دحلان نموذجا لما فعله السيسي في مصر؛ تقويض خصم سياسية بإدخال بديل يتوافق مع خارطة الطريق الأمنية لمصر.
الرسالة المبطنة: هل يُجهز السيسي قوات للقمع الداخلي على طريقة ما يحصل في مصر؟
هذا التدريب يطرح تساؤلات حرجة:
- هل تُدرب هذه العناصر على مواجهة حماس إعلاميًا وسعياً لفرض هيمنة السلطة الجديدة؟
- هل هناك توجيه ضمني لتعليمهم "أساليب القمع والانتهاكات"، كما يُستخدم ضمنيًا في إدارة جهاز الشرطة المصرية؟
- هل ثمة نية لتصدير نموذج السيطرة الأمنية المصري إلى غزة؟
إذ أن تدريب 5 آلاف من عناصر الأمن لا يلائم فقط حفظ النظام، بل بوسعه أن يتحول إلى جيش داخلي يعزز سيطرة السلطة الجديدة، ويهوّد الممكنين من القطاع، ويُضعف معنوية المقاومة.
موقف حماس: الرفض الكامل والتحذير من المخطط الأمني
حتى الآن، لم تُعلن حماس موقفًا رسميًا موثقًا من هذا التحرك، لكن مواقف قياداتها السابقة والتصريحات المتداولة في الإعلام الغزّي تظهر أنها تُراقب هذا التقدم بقلق بالغ:
حماس لطالما حذّرت من وجود نيات لرفع "أسوار السلطة" تدريجيًا وتقويض سيطرتها.
القلق الأبرز هو دمج قوات أمنية تدريبها مصري-أردني ضمن البنية الأمنية في غزة، ما يعني نفوذًا غير محدود للسلطة عبر هذه الجسد الأمني.
في حال تمّ تطبيقها، ستكون هذه القوات عبارة عن نقطة ارتكاز لإعادة «أمن السلطة» وتركيع المقاومة، وهي خطوة استراتيجية لتفكيك غزة من الجبهة الداخلية.
السياق الكلي: من إعادة الإعمار إلى تصفية القِوى
هذه الخطوة ليست منعزلة بل ضمن سياق أوسع:
قمة العربية اعتمدت مشروع إعادة الإعمار الشرقي بقيادة السلطة وليس حماس، وتشمل وضعها في موضع إدارة غزة تحت إشراف أمني خارجي.
جهد مصري للتوصل إلى حل يكون فيه قادة مؤيدون للسلطة أو ممثلون غير حماس مسؤولين عن الأمن وإدارة المساعدات.
تصاعد الحملات الدبلوماسية الأميركية والغربية لدعم التهدئة وحصر سلطة غزة في إطار الدولة العبرية، ووضع حماس خارج العملية السياسية.
خطة قاهرة لإضعاف حماس عبر الأمن... والسؤال:هل ثمن غزة هو الموقع الجغرافي فقط؟
قصة تدريب 5 آلاف من عناصر الأمن الفلسطيني في مصر تكشف تآكلًا استراتيجياً في موقف النظام المصري من غزة ومقاومتها.
فالمشهد يبدو مؤسسًا لسلطة جديدة يضمنها السيسي، تسعى لتهميش حماس عسكرياً وأمنياً، سياسياً وديموغرافياً، لقاء صفقة إعادة الإعمار.
إذ يبدو واضحًا أن هناك رغبة مصرية في تحويل غزة إلى نموذج يخضع لسيطرة السلطة بتقليص هوامش حماس، تحت غطاء "الأمن والنظام".
إذا كان الأمر كذلك، فإن مستقبل القضية الفلسطينية بات على شفير تغيير تاريخي في هوية من يتولى حراسة الأرض والمصير.
ويبقى السؤال النهائي: هل هذا المشروع مشروع إنقاذ أم مشروع تصفية؟
فقط شعب غزة ومقاومته يملكان جوابًا جليلاً.