على هامش قمة تيكاد 9 في يوكوهاما باليابان، أعلن رئيس حكومة الانقلاب العسكري المصري مصطفى مدبولي أن مصر مستعدة للمساهمة في إنشاء أحد السدود في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مبرِّراً ذلك بـخبرة مصر في مشاريع مماثلة بدول حوض النيل.

الإعلان الذي صدر خلال قمة دولية تركزت على فرص الاستثمار والتمويل لأفريقيا يطرح أسئلة جوهرية: ما قيمة هذه الخبرة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية داخل مصر؟ ومن المستفيد فعلياً من هذا الانخراط؟

التصريح تم خلال فعاليات قمة TICAD 9  التي انعقدت في يوكوهاما بين 20 و 22 أغسطس 2025، وعلى هامشها عُقد لقاء ثنائي بين مدبولي ورئيسة وزراء الكونغو الديمقراطية.

وصول وفد القاهرة إلى اليابان وسفر مدبولي تم الإعلان عنه مسبقاً (المغادرة 18 أغسطس 2025)، والتصريحات نُشرت في وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة المصرية خلال يومي 20-21 أغسطس 2025.

 

نص التصريح وما دلالاته العملية

قال مدبولي إن "مصر مستعدة للمساهمة في بناء سد في الكونغو الديمقراطية، على غرار مشاريع نفذتها مصر في دول حوض النيل".

عبارة تبدو في ظاهرها دبلوماسية تنموية، لكنها تحمل عدة رسائل: رغبة نظام السيسي في إبراز دور إقليمي، محاولة تصدير الخبرات كأداة "دبلوماسية اقتصادية"، وفتح أسواق جديدة لشركات مقربة من الدولة.

لا يوجد إلى الآن إعلان عن قيمة مالية أو جدول زمني واضح للمشروع، ما يعكس طابعاً استهلاكياً إعلامياً أكثر منه التزاماً تنفيذياً ملموساً.

 

أين تكمن المشكلة؟

أولاً، الحديث عن خبرة مصر في بناء السدود يحتاج تفصيل: أهم مشروع مصري تاريخياً هو السد العالي بأسوان (1958–1970)، وهي تجربة دولة مركزية لصنع القرار ضمن سياق تاريخي مختلف.

أما المشاريع الحديثة والتعاون الإقليمي فقد ترافقت مع توترات سياسية (قضايا مياه النيل بين مصر وإثيوبيا مثلاً)؛ لذلك الترويج لنموذج مصري كخبرة قابلة للتصدير دون شفافية أو طرفٍ مستقل للتقييم يثير تساؤلات موثوقية وكفاءة هذا السرد.

(مادياً لم يعلن الجانب المصري أرقاماً محددة أو عقوداً واضحة حتى لحظة كتابة هذا التقرير).

 

دوافع السيسي..

الانخراط في مشاريع خارجية يخدم نظام السيسي بعدة طرق:

أولاً: تحسين صورة النظام دولياً أمام مجتمع المانحين والأسواق؛

ثانياً: توفير بيئة لعقود لشركات راسخة في سوق المشتريات الحكومية، وهو مصدر ربح سياسي واقتصادي للنخبة الحاكمة؛

ثالثاً، فتح قنوات لتمويل مشاريع داخلية عبر تبادل نفوذ في إفريقيا، هذا التمركز على العرض الخارجي، يحدث بينما المواطنون داخل مصر يواجهون غلاءً معيشياً وتقليص خدمات عامة، ما يجعل من هذه المبادرات ورقة إعلامية أكثر من كونها خطة تنموية متوازنة.

 

أبعاد دبلوماسية.. لماذا الكونغو؟

اختيار الكونغو الديمقراطية يتماهى مع استراتيجية أوسع: دول أفريقية كبّرلت علاقاتها سواء مع الصين أو دول عربية أو مع القاهرة، ووجودها كمصدر للثروات الطبيعية واستثمارات بنيوية يجعلها حلبة تنافس جيو-اقتصادي.

إعلان مصر عن استعدادها للمساعدة يأتي في وقت تعلن دولٌ أخرى (مثل اليابان في قمة تيكاد) عن مبادرات تمويلية واسعة للقارة، على سبيل المثال إعلامياً نُقل عن اليابان التزام بقروض وبرامج بمليارات الدولارات لدعم إفريقيا، ما يجعل مصر تحاول أن تحجز لنفسها موطئ قدم في مشهد التمويل الإقليمي.

 

أرقام وإحصاءات داعمة (ما هو المؤكد والمعلن)

قمة TICAD 9 انعقدت فعلياً في 20–22 أغسطس 2025 في يوكوهاما وحضرتها عشرات الدول الأفريقية وممثلون من مؤسسات دولية.
تقارير صحفية ذكرت أن اليابان عرضت حزمة تمويلية تصل إلى حوالي 5.5 مليار دولار عبر بنود تعاون وبنوك تنموية، مما يؤسس خلفية تنافسية للمشروعات المقترحة من طرف دول أخرى.
إعلان مصر عن استعداد "المساهمة في بناء سد" نقلته صحف حكومية ومستقلة في 20 أغسطس 2025، لكن لم يُعلن رقم عقد أو جدول زمني محدد.

 

بين التكتيك الإعلامي والواقع التنفيذي

تصريح مدبولي على هامش تيكاد 9 يمثل خطوة اعلامية دبلوماسية تهدف لتعزيز موقف النظام الإقليمي والداخلي، لكنه يفتقر إلى تفاصيل تنفيذية أو ضوابط شفافية تجعل منه مشروعاً موثوقاً.

الترويج لخِبرة مصر في بناء سدود لتمرير أجندات نفوذ واستفادة اقتصادية لنخبة قريبة من الدولة يطرح مخاوف حقيقية حول من سيدفع ثمن هذه الخبرة ومن سيستفيد.

المطلوب من الصحافة والمجتمع المدني مطابقة أي وعود بمستندات، عقود، ودراسات جدوى مستقلة قبل أن يتحول شعارٌ دبلوماسي إلى واقعٍ يرتبط بموارد واستقرار دول أفريقية وشعبية داخل مصر.