نشرت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، مقطع فيديو يُظهر أحد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها وهو يتجول داخل سيارة بين أنقاض المباني المدمرة في مدينة غزة.
المشهد، الذي انتشر سريعًا عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل، جاء ليعيد خلط الأوراق في ملف الأسرى، ويضع حكومة بنيامين نتنياهو تحت ضغط داخلي متصاعد.
نشرت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، اليوم الجمعة، مقطع فيديو يظهر تجول أسير إسرائيلي محتجز لديها في مدينة غزة من داخل سيارة، بين أنقاض مبانٍ مدمرة بالمدينة، تزامنا مع استمرار القصف وحرب الإبادة الجماعية.
— عربي21 (@Arabi21News) September 5, 2025
شاهد 👇👇 pic.twitter.com/FIZlSXJ5X3
استعراض مقصود ورسائل نفسية
الفيديو لم يكن مجرد توثيق لحالة أسير، بل استعراض مقصود في قلب مدينة تُقصف يوميًا. إذ جلس الأسير في سيارة مدنية تتحرك وسط الركام والدمار، ما أوحى بسيطرة المقاومة على الأرض، وقدرتها على المناورة حتى في ظل القصف.
بالنسبة لحماس، فإن الرسالة واضحة: رغم شدة الحرب، لا تزال الحركة قادرة على الاحتفاظ بالأسرى وتحريكهم بأمان، في تحدٍ مباشر للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
المحلل الإسرائيلي يوسي ميلمان كتب في صحيفة هآرتس أن "الفيديو يمثل فضيحة استخباراتية وعسكرية لإسرائيل.
إذا كانت حماس قادرة على إخراج أسير من مخبأ إلى شوارع غزة تحت القصف، فهذا يعني أن تل أبيب فشلت في تحقيق أهم أهدافها: تحييد قدرات الحركة".
ضغط على حكومة نتنياهو
التوقيت لم يكن صدفة. فالفيديو تزامن مع مظاهرات عائلات الأسرى في تل أبيب التي اتهمت الحكومة بالتخلي عن أبنائهم.
هنا يتضح البعد النفسي والسياسي للخطوة: حماس توجه ضربة مزدوجة، فهي تُظهر قدرتها على الاحتفاظ بالأسرى، وتكشف في الوقت نفسه عجز حكومة نتنياهو عن إيجاد حل عبر المفاوضات أو العمليات العسكرية.
الخبير العربي في شؤون المقاومة حسن أبو هنية يرى أن الفيديو "يعكس براعة حماس في إدارة معركة الوعي، إذ تضع القيادة الإسرائيلية في مواجهة مباشرة مع شعبها، وتذكّر العالم بأن قضية الأسرى ورقة أساسية لا يمكن تجاوزها".
وأضاف أن "تل أبيب تبدو اليوم رهينة معادلة فرضتها المقاومة أكثر من كونها صاحبة اليد العليا".
غزة بين الدمار والصمود
المشهد المصوّر للأسير لم يخلُ من بعد إنساني، إذ ظهر وسط مدينة مدمرة تعيش تحت حصار خانق.
الركام في كل مكان، والسيارة تتحرك في شوارع شبه خاوية، بينما أصوات القصف لا تنقطع.
هذا الإطار البصري يسلط الضوء على مأساة مليوني فلسطيني يواجهون ما وصفته الأمم المتحدة بـ"أخطر كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين".
المحلل الأوروبي فرانسوا بورغا، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، كتب أن "الفيديو يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية. إسرائيل تقول إنها دمّرت بنية حماس، لكن مجرد ظهور أسير إسرائيلي في شوارع غزة يبرهن أن المقاومة لا تزال تملك قدرة تشغيلية ورمزية عالية".
وأضاف أن "هذه المشاهد ستقوّي موقف حماس في أي مفاوضات مقبلة بوساطة مصرية أو قطرية".
ما وراء الدعاية: رسائل استراتيجية
يرى بعض المراقبين أن الفيديو جزء من "آلة الدعاية" التابعة لحماس، لكنه في العمق يكشف عن معادلات ميدانية حقيقية. فالقدرة على حماية الأسرى داخل غزة المدمرة، وتوثيق ذلك علنًا، تمثل تحديًا لا يمكن إنكاره لإسرائيل.
الأكاديمي الأمريكي جون ميرشايمر، أحد أبرز منظري العلاقات الدولية، علّق بأن "الفيديو يوضح أن القوة العسكرية وحدها لا تحقق النصر. إسرائيل تملك تفوقًا هائلًا في السلاح، لكنها عاجزة عن حسم الصراع ضد خصم يعرف كيف يستخدم الرمزية والأسرى لكسب الحرب النفسية والسياسية".
وأضاف أن "نتنياهو اليوم عالق بين الضغط العسكري الذي لا يُجدي، والضغط الداخلي من عائلات الأسرى، وهو وضع شديد الخطورة سياسيًا"
الفيديو الذي بثته كتائب القسام لم يكن تفصيلًا هامشيًا في حرب غزة المستمرة، بل رسالة مركّبة تتقاطع فيها السياسة والنفسية والإعلام والعسكر.
فهو يكشف هشاشة السردية الإسرائيلية عن النصر، ويعيد تسليط الضوء على مأساة غزة، وفي الوقت نفسه يعزز صورة المقاومة كطرف قادر على فرض معادلات جديدة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يدفع هذا المشهد إسرائيل إلى مراجعة استراتيجيتها، أم أن حكومة نتنياهو ستواصل حربها التي تحصد أرواح المدنيين بينما تزداد أوراق المقاومة قوة؟