مع بداية سبتمبر، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي في الريف المصري بصور فواتير كهرباء "مولعة نار" – آلاف الجنيهات رغم إغلاق المنازل وغياب الاستهلاك. المثير أن الفواتير تصدر الآن عبر ماكينة "فوري" برقمي فقط، بلا أي قراءة فعلية أو أثر للعداد، ما جعلها أشبه بجباية منظّمة أكثر منها خدمة أساسية.
في هذا السياق، يرى خبراء أن ما يحدث هو انعكاس مباشر لسياسات حكومية تفتقد الشفافية والرقابة، وتعمّق معاناة الناس بدلًا من تخفيفها.
غضب المواطنين
قالت دعاء: "لو فواتير الكهرباء بقت بالشكل ده يبقى الدولة بتتعامل مع المواطن كأنه ماكينة صرّاف آلي شغّالة ٢٤ ساعة! مين يقدر يدفع غير تجار المخدرات والآثار؟!"
https://x.com/doaa_dobi/status/1964270005572264343
وأضاف محمد الجمال: "الحكومة ما عندهاش غير جيوبنا. الكهرباء بتتسرق وإحنا بندفع تمن تقاعسها، وكل موظف قاعد في التكييف شغال من ٨ لـ٣، والمصالح الحكومية ما بتدفعش كهرباء، وكلّه على قفانا إحنا المطحونين".
https://x.com/MAlhmal6589/status/1964592578655113252
نص بلا معنى: الفواتير تصدر إلكترونيًا فقط
يوضح الخبير الاقتصادي هشام إبراهيم أن إصدار الفواتير عبر منصات دفع رقمي دون اعتماد على قراءة فعلية "يمثّل إلغاءً لمبدأ العدالة"، إذ لا يُحاسَب المواطن على استهلاكه الحقيقي، بل على رقم تقديري لا يُعرف مصدره.
ويضيف أن هذه الطريقة تعكس توجه حكومة السيسي زعيم الانقلاب لتحويل الخدمات العامة إلى مصدر جباية، بدلًا من أن تكون وسيلة لتيسير حياة الناس.
أعباء الريف: آلاف الجنيهات بلا استهلاك فعلي
في القرى الريفية، تضاعفت شكاوى الأهالي من وصول فواتير بالآلاف رغم إغلاق البيوت أو الاستخدام المحدود للغاية.
الحقوقي نجاد البرعي علّق بأن هذا السلوك "ينتهك حق المواطن في الشفافية والمساءلة"، مشيرًا إلى أن الوزارة تتنصل من واجبها في توضيح كيفية احتساب هذه المبالغ.
وأضاف أن غياب أجهزة رقابية مستقلة على شركات الكهرباء جعل المواطن الحلقة الأضعف أمام سلطة مطلقة.
غياب الدعم وارتفاع التضخم: المواطن الضحية الدائمة
يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة جودة عبد الخالق أن ما يحدث ليس خطأ إداريًا، بل سياسة متعمدة: "الحكومة رفعت الدعم تدريجيًا عن الكهرباء، ومع كل زيادة لم تقدم بدائل حقيقية لحماية الفقراء. الفاتورة لم تعد تعكس الاستهلاك، بل تحوّلت إلى ضريبة إجبارية غير معلنة".
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الفواتير يتزامن مع موجات تضخم شملت الغذاء والمواصلات، لتضاعف الأعباء المعيشية على المصريين.
المواطن بين المطرقة والسندان
الكاتب الصحفي سيد الباز يرى أن الأزمة أعمق من مجرد فواتير: "المواطن المصري اليوم يقف وحيدًا بين مطرقة الجباية وسندان الفقر. كل ما يطلبه هو أن يدفع مقابل ما يستهلك، لا أن يتحوّل إلى ممول لعجز الدولة".
ويشير إلى أن غياب آلية واضحة للاعتراض أو مراجعة الفواتير يفتح الباب لمزيد من الاحتقان، خاصة أن السوشيال ميديا صارت المنفذ الوحيد لتوثيق هذه الانتهاكات.
خلاصة: فواتير بلا منطق… وحكومة تقلب المواطنين
تكشف أزمة فواتير سبتمبر عن أزمة أعمق في العلاقة بين الدولة والمواطن. بدلًا من أن يكون الدعم وسيلة لحماية الشرائح الضعيفة، تحوّل إلى عبء إضافي، بينما تتعامل حكومة السيسي مع المواطن كـ"ممول إجباري" لا كشريك في التنمية.
ومع استمرار تجاهل الغضب الشعبي، تبقى الثقة في مؤسسات الدولة مهددة، ويظل المواطن أسير فاتورة لا تعكس إلا انهيار منظومة العدالة الاجتماعية.