في واحدة من أكثر اللحظات اضطرابًا في تاريخ نيبال السياسي الحديث، انفجر الشارع غضبًا ضد الفساد المستشري في الحكومة، ما قاد إلى أحداث غير مسبوقة طالت كبار الوزراء وأسرهم. فقد تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين، معظمهم من الشباب المعروفين بجيل "Z"، تعبيرًا عن رفضهم للفساد، المحسوبية، وانعدام العدالة الاجتماعية.
وسرعان ما تحولت الاحتجاجات من شعارات سلمية إلى موجة غضب طالت منازل الوزراء وأجبرت أحدهم على الهروب عبر النهر، فيما اضطرت زوجة الرئيس السابق إلى طلب ضمانات لسلامتها.
وفي خلفية المشهد، استقالة رئيس الوزراء تحت ضغط الشارع وصعود أول رئيسة وزراء في تاريخ نيبال، سوشيلا كراكي، التي تعهدت بالتصدي للفساد وإنقاذ ثقة الناس في الدولة.
اندلاع الاحتجاجات: من رفض القمع إلى مواجهة الفساد
بدأت جذور الأزمة عندما أقدمت الحكومة على فرض حظر مؤقت لوسائل التواصل الاجتماعي، مبررة ذلك بمحاولة السيطرة على "المعلومات المضللة".
لكن بالنسبة لشباب نيبال، كان القرار رمزًا للتضييق على الحريات، وهو ما أشعل فتيل الاحتجاجات.
وسرعان ما تحولت المظاهرات إلى حركة أوسع رافضة للفساد السياسي، حيث اتهم المحتجون الوزراء باستغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية بينما يعيش ملايين المواطنين في الفقر.
تصاعد الغضب: رمي الوزراء بالحجارة وهروب عبر النهر
مع تزايد حدة التظاهرات، لم يعد الغضب الشعبي محصورًا في الساحات العامة. بل امتد إلى منازل الوزراء وأعضاء البرلمان.
فقد تعرضت عدة منازل للرشق بالحجارة، فيما شهدت بعض المباني الحكومية حرقًا جزئيًا.
وبرز مشهد درامي عندما لاحق المحتجون وزير المالية حتى اضطر للهروب عبر نهر قريب لتفادي الضرب، في صورة تعكس انهيار هيبة السلطة أمام غضب الشارع.
هذه المشاهد صارت رمزًا لحالة الرفض الشعبي غير المسبوق للطبقة السياسية بأكملها.
قضية زوجة الرئيس: ضمانات مقابل سلامة شخصية
وسط الفوضى، توجه المحتجون نحو منزل زوجة أحد الرؤساء السابقين.
ورغم الغضب، طالبوا بعدم إيذائها، لكن تداولت أنباء عن عرض قدمته زوجة الرئيس المحتجزة في منزلها يقضي بتقديم مبلغ مليون دولار مقابل ضمان سلامتها وعدم التعرض لها.
هذه الواقعة كشفت عن عمق الأزمة، حيث باتت حتى أسر كبار المسؤولين عرضة لغضب الشارع، كما أظهرت فقدان الثقة التام بين الشعب والنخبة الحاكمة.
استقالة الحكومة وتولي كراكي السلطة
تحت ضغط الشارع واحتدام الأزمة، أعلن رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي استقالته، في خطوة اعتبرها كثيرون نتيجة حتمية لتراكم الفساد وسوء الإدارة.
وفي تحوّل تاريخي، تم تكليف سوشيلا كراكي برئاسة الوزراء لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب في نيبال.
صعود كراكي جاء في ظرف استثنائي، جعلها مطالبة ليس فقط بإدارة الدولة، بل أيضًا بإعادة بناء جسور الثقة المهدومة بين الحكومة والشعب.
تعهدات كراكي والإصلاحات المنتظرة
في خطابها الأول، وعدت كراكي بالتصدي الحاسم للفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة.
أكدت أن "عصر المحسوبية يجب أن ينتهي"، متعهدة بمراجعة جميع العقود الحكومية وتفعيل رقابة مستقلة على الإنفاق العام.
كما أعلنت عن خطة لإجراء انتخابات مبكرة تتيح للشعب إعادة تشكيل البرلمان وفق اختيارات حرة.
ورغم أن الشارع ما زال متشككًا، فإن تعهداتها مثلت بارقة أمل في بلد يتطلع إلى الخروج من حلقة الفساد التي كبّلته لعقود.
تجربة نيبال الأخيرة تبرز كيف يمكن للفساد أن يدفع دولة بأكملها إلى حافة الانفجار.
من رشق الوزراء بالحجارة إلى مطالبات غريبة لحماية أفراد من العائلات الحاكمة، وجد الشعب النيبالي نفسه في مواجهة مباشرة مع السلطة التي فقدت كل مصداقيتها.
استقالة الحكومة وصعود سوشيلا كراكي خطوة مهمة، لكنها ليست نهاية الطريق.
النجاح الحقيقي سيتوقف على مدى قدرة القيادة الجديدة على تنفيذ إصلاحات جذرية تعيد للدولة هيبتها وللمواطنين ثقتهم في المستقبل.