تشهد البورصة المصرية في 2025 موجة تخارج متزايدة من المستثمرين الأجانب، الذين يظهرون تردداً واضحاً في ضخ رؤوس أموالهم أو المحافظة على استثماراتهم القائمة. المستثمرون يرجعون ذلك إلى سياسات اقتصادية غير مستقرة، قرارات تشريعية مفاجئة، وتحديات متعلقة بسعر الصرف والتضخم. التقرير التالي يستعرض خلاصة الأحداث الأخيرة، أمثلة واقعية من بيانات جلسات البورصة، وتحليلًا لأسباب التخارج، والتداعيات المحتملة.
أمثلة من جلسات البورصة المصرية في 2025
- جلسة 9 أبريل 2025
في هذه الجلسة، شهدت مؤشرات البورصة المصرية خسائر واسعة، وكان المستثمرون الأجانب هم قياديي البيع. تمّ تسجيل مبيعات أجنبية كبيرة: العرب باعوا حوالي 5.17 مليار جنيه، وغير العرب الأجانب باعوا حوالي 33.22 مليار جنيه. في المقابل، المستثمرون المصريون اشتروا بحوالي 38.38 مليار جنيه.
- جلسة 22 يونيو 2025
في جلسة تراجع المؤشرات EGX، تصدّر التخارج الأجنبي المشهد، حيث باع المستثمرون الأجانب غير العرب أسهمًا بقيمة حوالي 1.067 مليار جنيه. المستثمرون المحليون والعرب كانوا المشترين الأساسيين لتلك الجلسة.
- جلسات متقطعة خلال مارس – مايو 2025
رغم بعض الجلسات التي شهدت دخولًا أجنبيًا ملحوظًا، إلا أن أغلب الجلسات كانت سيولة الأجانب تميل إلى البيع أو الانكفاء، خاصة في فترات الغموض في السياسات النقدية وسعر الصرف.
أسباب تخارج المستثمرين الأجانب
- سياسات اقتصادية غير مستقرة وغير متوقعة: تحركات مفاجئة في قوانين الضرائب (مثل ضريبة الأرباح الرأسمالية)، تغييرات في الرسوم، أو مقترحات لإلغاء بعض الحوافز، كلها تخلق حالة من عدم اليقين لدى المستثمر الأجنبي.
- تضخم وارتفاع تكلفة التمويل: ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا ومحليًا، مع تذبذب في سعر صرف الجنيه المصري، يجعل الاستثمار في الأسهم أقل جاذبية نسبيًا مقارنة بالأدوات الآمنة أو الأصول الأجنبية.
- ظروف عالمية مرتبطة برفع الفائدة وخروج رؤوس المال من الأسواق الناشئة: المستثمرون العالميون يترقبون التضخم في الولايات المتحدة والعوائد في الأسواق المتقدمة، مما يدفعهم إلى سحب الأموال من الأسواق التي تُعتبر عالية المخاطر أو ذات سيولة أقل.
- ضعف الشفافية والمخاطر القانونية: قرارات الحكومة قد تُتّخذ بسرعة أو دون إشراف واضح، ما يزيد المخاطر المرتبطة بالتشريعات الجديدة أو التغيرات التنظيمية.
سياسات الحكومة التي يُنظر إليها كـ “طاردة للاستثمار”
- القوانين والتعديلات التشريعية المفاجئة: بعض مقترحات أو تطبيقات القوانين بدون إشعار مُسبق أو دون استشارة كافية تُربك المستثمرين. مثال: مقترح إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية أو تغييرها.
- سعر الصرف وتذبذبه: تغييرات مفاجئة في أسعار صرف العملات تؤثر على تكاليف الاستثمار والعائدات المتوقعة.
- ارتفاع تكلفة رأس المال: سواء من خلال زيادة الفائدة أو صعوبات تمويل المشاريع، أو قلة الحوافز.
تداعيات التخارج
- تراجع قيمة المؤشرات السيادية: مؤشرات مثل EGX30 تشهد انخفاضات ملحوظة في جلسات البيع الأجنبي، ما ينعكس على ثقة المستثمرين المحليين أيضًا.
- انخفاض السيولة وحجم التداول: عندما يبيع الأجانب بشكل كثيف، تغيب السيولة، ما يزيد من تقلب الأسعار ويجعل الدخول الجديد للمستثمرين أقل جاذبية.
- تضرر الشركات المدرجة: انخفاض تمويل السوق الثانوية، ضعف القيمة السوقية لبعض الشركات، صعوبة في طرح مشروعات جديدة أو زيادة رأسمال.
- تأثير على الاقتصاد الكلي: تخارج الأجانب يعني خروج جزء من رأس المال الأجنبي الذي قد يُستخدم في تطوير الصناعة أو المشروعات الكبرى، وبالتالي تأثير في النمو، التصدير، والعمالة.
كيف استجابت الجهات الرسمية؟
- محاولة الحكومة تخفيف بعض الضغوط عبر مقترحات تشريعية مثل إلغاء ضريبة أرباح رأس المال أو تعديلها.
- تصريحات من بعض مسؤولي البورصة وهيئة الرقابة المالية تطمئن المستثمرين، وتعد بسياسات للاستقرار النقدي، وضمانات لتقليل المخاطر التشريعية.
- تعزيز الطروحات الحكومية وطرح شركات مملوكة للدولة في البورصة لجذب المستثمرين الأجانب وإظهار الثقة السياسية والاقتصادية.
التوقعات المستقبلية
إذا استمرت السياسات بنفس هذا النمط من عدم الثبات والتغيير المفاجئ، فسيكون التخارج الأجنبي مستمر، ربما بمعدل أسرع، ما يزيد من ضعف البورصة وخسارة فرص جذب رؤوس المال.
في المقابل، إذا تم اعتماد سياسات واضحة، شفافة، وذات حوافز، وتحسين معايير الحوكمة، فقد تعود الثقة الأجنبية تدريجياً.
الأثر الأكبر سيكون على الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي أو الاستثمارات الأجنبية.
وفي النهاية فالتخارج الأجنبي من البورصة المصرية في 2025 ليس مجرد تذبذب مؤقت، بل مؤشّر قوي على أن السياسات الاقتصادية والتشريعية أصبحت مصدر قلق كبير للمستثمرين.
عنوان التقرير “سياسات حكومة السيسي الطاردة للاستثمار” يعكس وجهة نظر المستثمرين الذين يرون أن القرارات تُتّخذ دون ضمانات شفافة، مما يدفعهم بعيدًا.
إذا أرادت الحكومة إعادة الثقة، فلا بد من إصلاحات حقيقية واضحة وسريعة؛ وإلا فستكون الخسائر ليست للسوق فحسب، بل للنمو الاقتصادي وللفرص المستقبلية.