في كلمة حادة اللهجة ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام القمة العربية – الإسلامية، وجّه رسالة مباشرة إلى القادة العرب، دعاهم فيها إلى الانتقال من مرحلة البيانات والشجب إلى مرحلة القرارات والإجراءات. أردوغان اعتبر أن ما يجري في غزة ليس نزاعاً عادياً بل إبادة جماعية مكتملة الأركان، وأن إسرائيل لن تتوقف عن عدوانها إلا إذا وُوجهت بجبهة سياسية واقتصادية موحدة تضغط عليها بقوة.
https://youtu.be/9jFKlAsgq24
 

من الإدانة إلى الفعل
أردوغان تساءل في خطابه: "إلى متى سنكتفي بالبيانات؟"، مؤكداً أن الشعوب لم تعد تقتنع بالتصريحات الدبلوماسية، وأن العالم ينتظر من الدول العربية والإسلامية خطوات عملية تترجم الغضب الشعبي إلى أفعال. واعتبر أن المقاطعة الاقتصادية، وحظر الصادرات، وإغلاق الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي هي أدوات فعّالة أثبتت قدرتها على إحداث تأثير ملموس.
 

تركيا تتحرك منفردة
اللافت أن ما طالب به أردوغان لم يكن مجرد كلمات، بل خطوات نفذتها بلاده بالفعل خلال الأشهر الماضية:

  • المقاطعة الاقتصادية: أنقرة أعلنت في أبريل الماضي حظر تصدير 54 سلعة إلى إسرائيل، شملت مواد بناء مثل الحديد والأسمنت والمنتجات الكيميائية والصلب، وهي سلع أساسية لمشروعات البنية التحتية الإسرائيلية. القرار كان ضربة قوية نظراً لاعتماد تل أبيب على السوق التركي في هذه القطاعات.
  • إغلاق المجال الجوي: تركيا أوقفت مرور الطائرات الإسرائيلية عبر أجوائها، ومنعت الرحلات التجارية من وإلى إسرائيل. هذا القرار قيّد حركة الطيران وأجبر الشركات الإسرائيلية على البحث عن مسارات أطول وأكثر تكلفة.
  • تجميد التعاون: أنقرة قلّصت العلاقات الدبلوماسية، وجمّدت مشروعات اقتصادية مشتركة، في إشارة إلى أن العلاقات مع إسرائيل ليست أولوية أمام قضية فلسطين.
  • رسالة تضامن: الحكومة التركية أعلنت أن هذه الإجراءات رسالة واضحة بأن استمرار العدوان على غزة سيقابل بتصعيد أكبر، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما وصفته بـ"الإبادة".
     

مقارنة بالموقف العربي
خطوات تركيا وضعت القادة العرب في موقف حرج. ففي الوقت الذي اكتفى فيه معظمهم ببيانات إدانة ومطالبات بوقف إطلاق النار، أقدمت أنقرة على قرارات عملية جعلت إسرائيل تدفع ثمناً مباشراً. أردوغان استغل منصة القمة ليقول بوضوح إن المطلوب هو أفعال شبيهة بما اتخذته تركيا، حتى يتحول الضغط من حالة رمزية إلى قوة مؤثرة تغير حسابات تل أبيب.
 

مقاطعة كأداة ضغط
أردوغان شدد على أن إسرائيل لا تعبأ بالانتقادات، وأنها لن تنصاع إلا إذا شعرت بتكلفة اقتصادية ودبلوماسية حقيقية.
وأكد أن المقاطعة الاقتصادية وسلاح المقاطعة الدبلوماسية هما السبيل لإجبار حكومة الاحتلال على وقف عدوانها.
كما دعا إلى تنسيق عربي – إسلامي موحد يتضمن:

  • وقف التصدير لإسرائيل في السلع الأساسية.
  • منع عبور الشحنات الإسرائيلية عبر الموانئ العربية.
  • إغلاق الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي.
  • مراجعة العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب.


بين الخطاب والفعل
تصريحات أردوغان لاقت ترحيباً شعبياً واسعاً في الشارع العربي، حيث يرى كثيرون أن ما يقوم به يتماشى مع مطالب الجماهير بمقاطعة إسرائيل. لكن على مستوى الأنظمة، يبقى السؤال: هل تتحول هذه الدعوات إلى قرارات موحدة، أم تظل صرخة في قاعة القمم؟

أردوغان قدّم نفسه في القمة كصوت جريء يطالب بالفعل لا بالقول، مدعوماً بسجل من القرارات التي اتخذتها أنقرة ضد إسرائيل. في المقابل، لا يزال الموقف العربي العام متردداً، يراوح بين التصريحات الدبلوماسية والضغوط الدولية. وإذا لم تتحول كلمات القمة إلى إجراءات حقيقية، فإن غزة ستبقى وحدها في مواجهة آلة الحرب، بينما تظل المقاطعة الاقتصادية ورقة ضغط لم تُستخدم بعد بالقوة الكافية.