في 18 سبتمبر 2025، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع تبني مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، يُرفق بإطلاق جميع الرهائن، ورفع القيود عن إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين.
صوّت لصالح القرار 14 دولة من بين الأعضاء الخمسة عشر، وامتنعت واشنطن، استناداً إلى أنّ النص لا يدين حركة حماس بشكل مباشر، ولا يعترف بشكل صريح بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مما اعتبرته واشنطن عيباً أساسياً في مشروع القرار.

هذا الفيتو يُعدّ السادس الذي تستخدمه الولايات المتحدة منذ بدء الصراع المستمر منذ أكتوبر 2023، عند محاولات متكرّرة لمجلس الأمن لإصدار قرارات لوقف إطلاق النار في غزة.
 

ردود الفعل الغاضبة
السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور وصف الفيتو بأنّ الولايات المتحدة منعت المجلس من القيام بدوره في حماية المدنيين في وجه ما حدده بـ “الإبادة”.

حركة حماس اعتبرت القرار وعمليات الفيتو “شراكة كاملة في جريمة الإبادة الجماعية” ومنحاً لـ “ضوء أخضر” لاستمرار القتل والتجويع.

منظمات حقوقية مثل العفو الدولية أشارت إلى أنّ استخدام الفيتو يُظهر تجاهلاً بشعاً لمعاناة المدنيين، وينتهك المبادئ الإنسانية.

الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي: معظم أعضاء مجلس الأمن الذين صوّتوا لصالح القرار أعربوا عن خيبة الأمل والغضب من ممارسات الولايات المتحدة، معتبرينها عائقاً أمام الاستجابة للمأساة الإنسانية.
الجزائر، مثلاً، اعتذرت أمام الفلسطينيين، معتبرة أنّ العالم يتحدث عن الحقوق لكنه يحرمها من الفلسطينيين عبر مواقف مثل هذا الفيتو.

باكستان وصفت التصويت بأنه “لحظة مظلمة”.

في الوقت نفسه، دول حليفة أو صديقة للولايات المتحدة، أو تلك التي تربطها بها علاقات دبلوماسية قوية، كانت أكثر تحفظاً أو دعمت مبرّرات واشنطن بأنها ترى النصّ غير متوازن أو يحتمل تداعيات أمنية.
 

ردود فعل الرأي العام والسياسات الداخلية
استطلاعات تُظهر تزايد القلق في الرأي العام الأميركي من دعم الحكومة لإسرائيل، خصوصاً من ناحية الأذى المدني الواسع.
برلمانات ومجالس محلية عالمياً تطالب بوقف الحرب، أو على الأقل بوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.

في بعض الدول الأوروبية والدول الإسلامية، ازداد الغضب الشعبي والحكومي تجاه ما يُنظر إليه كتغطية دبلوماسية لفعل عسكري يُخشى أن يكون مخالفاً للقانون الدولي الإنساني.
 

التحليل والمغزى السياسي

الفيتو كأداة للأمن الدولي أم للهيمنة السياسية؟
ما كان من المفترض أن يكون احتياطيًا للقرارات التي تمس المصالح الحيوية للدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن، أصبح يُستَخدم في حالات يُنظر إليها على أنها إخلال بالشرعية الدولية وقوانين الحروب.
استعمال الفيتو بهذا الشكل يعكس أن الولايات المتحدة ترى نفسها في مركز يفوق مجرد الحليف، بل الحارس للحماية السياسية لإسرائيل حتى حين ترقى الانتقادات الدولية إلى مستويات اتهام بانتهاكات جسيمة.

تأثير الفيتو على شرعية الأمم المتحدة والمجلس الأمني
الفيتوات المتكرّرة تُضعف مصداقية النظام الدولي، خاصة مجلس الأمن، كجسم يقوم بحماية المدنيين وإنفاذ القرارات.

كلما تمارَس الفيتو في هذه القضايا، تتكاثر التساؤلات:
هل هي منظمة "متحدة" حقاً؟ وهل يعكس هذا النظام التزاماً بالقانون الدولي، أم مصالح دبلوماسية وسياسية ضيقة؟

العزلة الدولية والضغط المتصاعد
رغم أن الفيتو يحمي إسرائيل من قرار ملزم على الأرض، فإنه يزيد من العزلة الأميركية – الإسرائيلية على الساحة الدولية.

الدول التي عارضت الفيتو، الأصوات الحقوقية، والتقارير الدولية التي تتحدث عن المجاعة، المجازر، والدمار المتصاعد كلها تضع الولايات المتحدة في موقع تصبح فيه شريكاً سياسياً في استمرار الأزمة، وليس مجرد وسيط أو بلد داعم.
 

الخطر الأخلاقي والتداعيات المستقبلية
في غياب تغيير في السياسات، ستتراكم المآسي وتتعمق الشعور بعدم الإنصاف لدى الفلسطينيين ومعهم الدول التي تؤيدهم، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات، وربما ردود فعل دبلوماسية أو قانونية (ملاحقات في المحاكم الدولية، مقاطعات، تعديل علاقات).
أيضاً، للمجتمع الدولي أدوات مثل الجمعية العامة، المنظمات الحقوقية، ومحكمة الجنائيات الدولية التي يمكن أن تتابع القضية حتى لو فشل مجلس الأمن في التحرك.

الفيتو الأمريكي الأخير ليس استثناءً بل استمرارية لمسلسل من المواقف التي يُعتبر أنها تمنح الحماية السياسية لشريك إبّان حرب تنشر الدمار البشري.
استخدام هذا الحق في مجلس الأمن لم يعد يُنظر إليه كمنعة سيادية فقط، بل كأداة لتعطيل ضمير جماعي، وتحصين عدوانٍ من المساءلة.

ردود الفعل الغاضبة تُشير إلى أن العالم يريد أكثر من كلماتٍ عن “الحق في الدفاع عن النفس”؛ يريد ضمانات قانونية، ويطالب بوقف المجاعة، حماية المدنيين، وإطلاق يد العدالة الدولية. السؤال الذي يبقى: هل تستطيع المؤسسات الدولية، أو التحالفات بين الدول، أن تغيّر من القوانين أو الأعراف التي تسمح لفيتو واحد بأن يوقف قراراً يحظى بإجماع شبه تام؟