في مشهد يعكس طبيعة الخطاب الإعلامي الموجَّه في مصر، خرج الإعلامي إبراهيم عيسى ليحذّر من أن الدولار قد يصل إلى مئة جنيه إذا اندلعت حرب بين مصر وإسرائيل. لم يكن حديثه اقتصاديًا أو تحليليًا، بل كان خطابًا سياسيًا يروّج ـ بحسب المفكر عمار علي حسن ـ للهزيمة المسبقة، ويغتال روح الصمود قبل أن تُطلق رصاصة واحدة. هذه ليست مجرد "توقعات مالية"، بل تكتيك نفسي يُغرق المجتمع في الخوف واليأس، ويحوّل القلق المشروع إلى عقيدة انسحاب.
التخويف بالدولار كأداة للهزيمة
يقول عمار علي حسن في نصه: خرج علينا إبراهيم عيسى ليُنذرنا بأن الدولار سيصل إلى 100 جنيه في حال اندلاع حرب بين مصر وإسرائيل. لكنه لا يتحدث في الاقتصاد، بل يُمعن في الحديث عن السياسة، ويبشّر مقدمًا بالهزيمة المسبقة. حتى لو انتصرت مصر في المعركة، فهي ـ في نظره ـ مهزومة. كأن الهزيمة، كما يراها، قدر محتوم لا مفر منه.
بهذا المعنى، لم يكن خطاب عيسى سوى تمرير لفكرة أن مصر لا تستطيع الصمود، وأن أي مواجهة مصيرها الانكسار، وهو ما يمثل خدمة مجانية لأعداء الوطن.
إشاعة الخوف وتثبيت العجز
الخطورة في هذا الطرح أنه ـ كما وصفه عمار علي حسن ـ لا يقوم على تحليل اقتصادي حقيقي، بل على رغبة في "إشاعة حالة نفسية جماعية تتغذى على الخوف والتشاؤم". فالمبشّرون بالهزيمة لا يتوقفون عند توقع المخاطر، بل يضخمونها ويحوّلونها إلى "نبوءات كارثية" تقتل المعنويات وتُقوّض الثقة قبل أن تبدأ المعركة.
الانهزامية كخيار عقلاني زائف
ويضيف حسن: يخرجون علينا في لحظة تتكاثر فيها الأزمات وتتشابك فيها المصالح، ليُروّجوا لفكرة أن الهزيمة خيار عقلاني، أو حتى وجهة نظر قابلة للنقاش. هؤلاء لا يناقشون احتمالات الحرب، بل يشيعون قناعة مسبقة بأننا خاسرون مهما فعلنا، وأن المقاومة عبء، وأن الدفاع عن السيادة مغامرة غير محسوبة.
هنا تتضح طبيعة الإعلام الموجَّه: ليس دوره توعية الشعب أو تقديم بدائل واقعية، بل تسويق الخوف باعتباره حكمة سياسية.
الانتصار بلا معنى
الأدهى من ذلك أن هذا الخطاب، حتى لو تحقق النصر، سيظل يردده: "الثمن كان باهظًا، والمكاسب لا تُحتسب، والخسارة كانت حتمية". بمعنى أن النصر يُفرَّغ من معناه، ويُحوَّل إلى هزيمة مقنّعة. إنها استراتيجية لغرس الانكسار في الوعي الجمعي، وتقديمه في ثوب "الحكمة" و"الواقعية".
بين الدولار والكرامة الوطنية
في ختام نصه، يوجّه عمار علي حسن نقدًا لاذعًا لمن يقيس كل شيء بالدولار: "ليس كل شيء يُقاس بالدولار؛ فثمة قيم لا تُحتسب بالأرقام، بل تُوزن بالعزّة والكرامة الوطنية. إن الحفاظ على المصالح الاستراتيجية من أن تنهار، أولى من الحديث عن سعر صرف الدولار. الدولار يصعد ويهبط، أما المصالح الاستراتيجية، فهي ليست سلعة في بورصة نيويورك، ولا بندًا في نشرة أسعار الصرف. إنها ما يُبقي الدول واقفة حين تتهاوى العملات."
بهذه الكلمات، يفضح حسن هشاشة منطق الإعلام المأجور، ويضع معادلة واضحة: قيمة الأوطان لا تُختصر في أسعار الصرف.
إبراهيم عيسى..
— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) September 20, 2025
أو حين تكون الهزيمة وجهة نظر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بقلم: الكاتب الصحفي محمد حماد
خرج علينا من يُنذرنا بأن الدولار سيصل إلى 100 جنيه في حال اندلاع حرب بين مصر وإسرائيل. لكنه لا يتحدث في الاقتصاد، بل يُمعن في الحديث عن…
وأخيرا فما فعله إبراهيم عيسى ليس مجرد رأي إعلامي عابر، بل جزء من ماكينة خطابية تسعى إلى "شرعنة الهزيمة" وبيعها للشعب باعتبارها قدرًا محتومًا. إنها أداة من أدوات السلطة التي تريد شعبًا منزوع الإرادة، مقتنعًا بأن كل مواجهة خاسرة قبل أن تبدأ. لكن الحقيقة التي يذكّرنا بها عمار علي حسن أن الأوطان لا تقوم على حسابات الدولار وحدها، بل على قيم السيادة والكرامة الوطنية. فحين يتهاوى الإعلام إلى مستوى ترويج الخوف بدل بث الثقة، يصبح هو الخطر الأكبر على استقرار الدولة، لا الحرب ولا الدولار.