قرار بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال بالاعتراف بدولة فلسطين يمثل نقطة تحوّل دبلوماسية في مسار طويل من الصراع، حيث تستعد دول أوروبية أخرى مثل فرنسا وبلجيكا لاتخاذ خطوة مماثلة خلال قمة الأمم المتحدة. لكن السؤال الأساسي يبقى: هل لهذا الاعتراف قيمة عملية على الأرض، أم أنه مجرد انتصار سياسي رمزي؟
قيمة الاعتراف سياسياً ورمزياً
يؤكد البروفيسور فيليب ساندز، أستاذ القانون الدولي الفرنسي البريطاني، أن الاعتراف يحمل قوة رمزية قد تغيّر قواعد اللعبة، إذ يضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة من حيث التعامل بموجب القانون الدولي. من الناحية السياسية، فإن اعتراف دول غربية كبرى يكسر حالة الاصطفاف التقليدي خلف إسرائيل، ويمنح الفلسطينيين دفعة معنوية ودبلوماسية لا يمكن تجاهلها.
ماذا يتغيّر على الأرض (القيود العملية)
يوضح الخبير في القانون الدولي رومان لوبوف من جامعة إكس-مارسيه أن الاعتراف لا يعني بالضرورة أن الدولة أصبحت قائمة فعلياً. فالمعيار القانوني شيء، والقدرة على ممارسة السيادة على الأرض شيء آخر. ورغم أن الاعتراف يفتح أبواباً دبلوماسية جديدة ويمنح السلطة الفلسطينية مكانة أوضح في التعامل الثنائي، فإنه لا يغير واقع الاحتلال الإسرائيلي ولا ينهي الحصار المفروض على غزة.
البُعد القانوني: ماذا يقول القانون الدولي؟
يرى لوبوف أن القانون الدولي يتيح للدول حرية اختيار توقيت وشكل الاعتراف، لكنه يميز بين الرمزية والتأثير العملي. الاعتراف بحد ذاته لا يخلق دولة، لكنه يوسع قدرة الطرف المعترف به على الانضمام إلى مؤسسات دولية أو رفع دعاوى قضائية. أما فيليب ساندز، فيضيف أن الاعتراف قد يسهل على فلسطين تفعيل أدوات قانونية دولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية، لتعزيز مواقفها القانونية ضد الاحتلال.
وكتب المحامي وأستاذ القانون الفرنسي البريطاني فيليب ساندز في صحيفة نيويورك تايمز في منتصف أغسطس 2025 “أعلم أن هذا يبدو رمزيا بالنسبة إلى كثر، لكن في الواقع، من الناحية الرمزية، فهو بمثابة تغيير في قواعد اللعبة”.
وأوضح “لأنك بمجرد الاعتراف بدولة فلسطينية… فإنك تضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة من حيث معاملتهما بموجب القانون الدولي”.
ما الجديد الذي قد يقدمه الاعتراف للفلسطينيين؟
- دبلوماسياً: اعتراف هذه الدول يعزز الشرعية الدولية لفلسطين ويضغط على إسرائيل لفتح مفاوضات جدية.
- قانونياً: كما يشير ساندز، يمكن للدولة الفلسطينية المعترف بها أن تلجأ بصورة أوسع للقضاء الدولي وتوقّع اتفاقيات ومعاهدات باسمها.
- إنسانياً: يتيح الاعتراف فرصاً أكبر لإيصال المساعدات عبر قنوات رسمية، وفتح مكاتب وسفارات فلسطينية معترف بها.
- لكن، وكما يؤكد خبراء القانون، فإن هذه المكاسب لن تتحقق ما لم تُترجم الاعترافات إلى سياسات عملية ضاغطة.
المخاطر والقيود: ماذا لا يفعله الاعتراف؟
بحسب رومان لوبوف، الاعتراف لا ينهي الاحتلال ولا يضمن حماية الفلسطينيين من الهجمات العسكرية. بل يظل رهناً بإرادة المجتمع الدولي في اتخاذ خطوات عملية مثل فرض عقوبات أو تفعيل آليات ضغط. كما أن إسرائيل قد ترد بخطوات سياسية أو ميدانية لإضعاف أثر هذه الاعترافات، ما يجعل التحدي قائماً أمام مدى استعداد الدول الغربية للمضي أبعد من التصريحات الرمزية.
والخلاصة أن الاعتراف الأخير بدولة فلسطين يعد انتصاراً سياسياً ورمزياً أكثر من كونه تحولاً عملياً. هو خطوة مهمة تضعف عزلة الفلسطينيين وتمنحهم سنداً قانونياً أقوى، لكنه لا يوقف الحرب ولا ينهي الاحتلال. وكما يؤكد خبراء القانون الدولي، فإن الاعتراف وحده يظل محدود الأثر ما لم يتبعه عمل دولي منسق لترجمة هذه الخطوة إلى إجراءات عملية قادرة على تغيير موازين القوى على الأرض.