أضاء برج إيفل في العاصمة الفرنسية باريس مساء أمس الأحد أنواره باللون الأبيض، فيما رفرفت إلى جانبه أعلام فلسطين والاحتلال، تتوسطهما حمامة بيضاء ترمز للسلام، على نصب تذكاري مهيب.

هذا المشهد جاء عشية تحركات دبلوماسية غير عادية في فرنسا وعدة عواصم غربية، تزامنًا مع تزايد الاعترافات الدولية الرسمية بدولة فلسطين، استعدادًا لمؤتمر الأمم المتحدة حول “حلّ الدولتين” في نيويورك.

الخطوة الباريسية ترافقت مع إعلان عدد من رؤساء البلديات الفرنسية نيتهم رفع الأعلام الفلسطينية على مباني البلديات اليوم الاثنين، متحدّين تعليمات وزارة الداخلية الفرنسية التي شددت في مذكرة رسمية على رفض رفع أي أعلام أجنبية – خصوصًا الفلسطينية – على المباني العامة، بحجة “مخاطر نقل صراع دولي إلى الداخل الفرنسي” وبذريعة “مبدأ الحياد”. الوزارة حذّرت بأن قرارات رؤساء البلديات قد تُحال إلى المحاكم الإدارية للفصل فيها.

ورغم ذلك، أكد ماثيو هانوتين، رئيس بلدية سان دوني، أن بلديته سترفع العلم الفلسطيني على مبناها تضامنًا مع الشعب الفلسطيني. الموقف ذاته تبنّته جوانا رولاند، رئيسة بلدية نانت، المنتمية للحزب الاشتراكي، معلنة أنها ستتحدى التعليمات الحكومية وتشارك في الحملة الرمزية.

 

 

اعترافات جماعية.. من لندن إلى لشبونة

شهد يوم الأحد “تسونامي دبلوماسيًا”، بحسب وصف الإعلام الإسرائيلي، إذ أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال رسميًا اعترافها بالدولة الفلسطينية. وفي لندن، جرت مراسم رفع العلم الفلسطيني أمام مبنى البعثة الفلسطينية التي تحولت رسميًا إلى “السفارة الفلسطينية لدى المملكة المتحدة”، بحضور شخصيات سياسية ودبلوماسية بارزة.

 

وفي البرتغال، أعلن وزير الخارجية باولو رانغيل مساء الأحد اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، مؤكدًا أن القرار جاء بعد مداولات رسمية داخل مجلس الوزراء في 18 سبتمبر. رانغيل شدد على أن بلاده تؤيد “حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإحلال سلام دائم”، وأن هذا الاعتراف لا ينتقص من “حق إسرائيل في الوجود”.

 

مؤتمر نيويورك.. فرنسا والسعودية في الواجهة

تتجه الأنظار اليوم الاثنين إلى نيويورك حيث يُعقد “المؤتمر الدولي لحلّ الدولتين وتسوية القضية الفلسطينية بالسبل السلمية”، بمشاركة رفيعة المستوى من قادة العالم. تترأس المؤتمر كل من فرنسا والسعودية إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، فيما يُنتظر أن يلقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كلمة عبر رابط فيديو مباشر، ويشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيًا في الجلسات.

هذا المؤتمر يأتي عشية انطلاق الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وسط توقعات بزيادة عدد الدول التي ستعلن رسميًا اعترافها بفلسطين، ومن بينها فرنسا وبلجيكا ومالطا ونيوزيلندا.

 

مواقف دولية متباينة

روسيا: الكرملين أكد مجددًا التزامه بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع.

تركيا: الرئيس رجب طيب أردوغان اعتبر أن تزايد الاعترافات يمثل “تطورًا مشجعًا” سيسرع تطبيق حل الدولتين.

السعودية وقطر والأردن والكويت وسلطنة عمان: رحبت بالخطوة واعتبرتها دعمًا لحقوق الفلسطينيين.

الولايات المتحدة: وصفت الاعترافات بأنها “لفتة استعراضية”، مؤكدة أن أولوياتها تبقى “أمن إسرائيل وإطلاق سراح الرهائن”.

 

إسرائيل في موقف دفاعي

رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تعهد بمواجهة هذه الاعترافات “في كل الساحات”، زاعمًا أن إقامة دولة فلسطينية “تعرض وجود إسرائيل للخطر”. وأكد مساء الأحد: “لن تكون هناك دولة فلسطينية غرب نهر الأردن”.

كذلك، وصف رئيس الكنيست أمير أوحانا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بـ“المهادن”، فيما اعتبر وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير أن الاعتراف “جائزة للإرهاب”، ودعا لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية.

 

 

ردود فلسطينية

الرئيس محمود عباس رحب بالاعترافات واعتبرها “انتصارًا دبلوماسيًا”.

حركة حماس وصفتها بخطوة مهمة لكنها شددت على ضرورة أن تترافق مع إجراءات عملية لوقف الإبادة في غزة.

 

كما رحّب المنتدى الفلسطيني في بريطانيا بالخطوة البريطانية، معتبرًا أنها تحمل بعدًا سياسيًا وأخلاقيًا، لكنها يجب أن تُترجم إلى إجراءات عملية لوقف المجازر في غزة ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

 

خلفية الاعترافات

حتى الآن، اعترفت 153 دولة من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة بدولة فلسطين منذ إعلانها في الجزائر عام 1988. ومع دخول بريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال إلى القائمة، ترتفع الحصيلة بشكل ملحوظ، فيما ينتظر أن ينضم عدد من الدول الأوروبية الأخرى قريبًا.