أنهت الوفود المشاركة في مفاوضات شرم الشيخ، مساء الثلاثاء، الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين حركة حماس والوسطاء برعاية مصرية وقطرية، وسط أجواء حذرة وغيابٍ لمؤشرات حقيقية على اختراق سياسي فوري. ورغم التصريحات المتفائلة الصادرة عن واشنطن، فإن الجولة وُصفت من مصادر مطلعة بأنها "استكشافية"، هدفها اختبار مدى جدية الجانب الإسرائيلي والتثبت من حدود التزامه بأي تفاهمات محتملة.

 

جولة تمهيدية لاختبار النوايا

مصادر مصرية وقطرية أكدت أن اللقاءات الأولى اقتصرت على تبادل المواقف عبر الوسطاء دون عقد اجتماعات مباشرة بين الطرفين، في ظل استمرار القتال في قطاع غزة. وانتهت الجلسات بشكل مبكر يوم الثلاثاء، على أن تتواصل الاتصالات الفنية والسياسية بين العواصم المعنية في الأيام المقبلة.

ووفق التسريبات، ركزت النقاشات على إحياء خطة أمريكية مؤلفة من عشرين بندًا، تسعى إلى ترتيب وقف شامل لإطلاق النار، وتبادل المحتجزين، ووضع جدول زمني لانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، تمهيدًا لبدء مرحلة إعادة الإعمار.


شروط وفد المقاومة

وفد حركة حماس، الذي ضم ممثلين عن فصائل المقاومة الفلسطينية، تمسك بموقف واضح مفاده أن وقف الحرب شرط مسبق لأي حديث عن إطلاق محتجزين إسرائيليين. وأكد الوفد أن أي تفاهمات مستقبلية يجب أن تتضمن جدولًا زمنيًا محددًا للانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، مع البدء الفوري في إدخال مساعدات إنسانية شاملة تتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية.

ووفق ما نقلته تقارير إعلامية عربية، شدّد الوفد على أن الخرائط الواردة في خطة ترامب يمكن التعامل معها كوثائق استرشادية فحسب، لا كمرجع مُلزِم، مؤكدًا أن الهدف الأساس هو تثبيت مبدأ الانسحاب الكامل، لا الدخول في تفاصيل ترسيم جديدة أو ترتيبات أمنية دائمة لصالح إسرائيل.

 

الموقف الأمريكي وخطة ترامب ذات العشرين بندًا

في واشنطن، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن التوصل إلى اتفاق بشأن غزة بات قريبًا، مشيرًا إلى أن حركة حماس وافقت على “أمور مهمة للغاية” دون الكشف عن طبيعتها. وأضاف أن الخطة التي قدمها تتضمن عشرين بندًا رئيسيًا، تشمل ترتيبات أمنية، وجدول انسحاب، وضمانات دولية لوقف دائم لإطلاق النار.

ورغم نبرة التفاؤل التي اتسمت بها تصريحاته، فقد أشار ترامب إلى “خطوط حمراء” لن يسمح بتجاوزها، في إشارة إلى التزامات محددة من الطرفين، بينما نقلت تقارير إعلامية أن الرئيس الأمريكي يعتبر الإجماع الدولي حول الخطة “غير مسبوق”، مع الإشادة بالدور المحوري الذي تلعبه قطر ومصر ودول أخرى في تسهيل المباحثات.

 

القاهرة: التركيز على الانسحاب والإغاثة

من جانبه، قال وزير خارجية السيسي بدر عبد العاطي إن مباحثات شرم الشيخ تهدف إلى تفعيل المرحلة الأولى من الخطة، والتي تتعلق بإطلاق سراح المحتجزين ووضع آلية أمنية لضمان انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة. وأكد أن القاهرة تتحرك أيضًا لضمان التدفق الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية، مشيرًا إلى أن مصر تستعد لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة فور التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.

وشدد عبد العاطي على أن الموقف المصري الثابت يتمثل في تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة شؤون القطاع، وضرورة التوصل إلى تسوية شاملة تضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

 

تباينات حول “خريطة ترامب”

تناولت وسائل إعلام دولية التباين بين الأطراف بشأن الخرائط الواردة في خطة ترامب، إذ تراها واشنطن إطارًا عمليًا لتحديد مناطق الانسحاب، بينما ترفض حماس اعتمادها كمرجع ملزم، خشية تكريس واقع تقسيمي داخل القطاع.

وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية في تصريحات متزامنة إن هناك نقاطًا تتطلب توضيحات تطبيقية، لا سيما ما يتعلق بترابط الملفات: تسليم المحتجزين، وإنهاء الحرب، وضمان تنفيذ الانسحاب في أطر زمنية واضحة.

 

آفاق الجولة المقبلة

وفق مصادر دبلوماسية، ستُستأنف الاتصالات خلال الأيام القادمة عبر فرق فنية من الجانبين المصري والأمريكي، وسط توقعات بانضمام فريق أمريكي مختص بالشؤون الأمنية والإنسانية لبحث تفاصيل المرحلة الأولى. وتراهن الأطراف الوسيطة على إمكانية تحقيق تقدم ملموس خلال أيام إذا تم تثبيت وقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع.

ورغم الحذر الذي يخيّم على الأجواء، تشير القاهرة إلى أن النقاشات الجوهرية تدور حول ثلاثة ملفات رئيسية: الوقف الفعلي لإطلاق النار، وضمانات الانسحاب الكامل، وآليات مراقبة التنفيذ، وهي الملفات التي ستحدد نجاح أو فشل مسار شرم الشيخ.

 

تفاؤل مشوب بالحذر

يبدو أن مفاوضات شرم الشيخ قد فتحت نافذة صغيرة في جدار الحرب، لكنها لا تزال محكومة بعوامل معقدة تتعلق بالثقة، والضمانات، والجدول الزمني للانسحاب. وبينما تبدي واشنطن تفاؤلًا “شبه كامل”، يصرّ وفد المقاومة على أن أي اتفاق بلا وقف حرب حقيقي ودخول مساعدات كافية لن يكون سوى إعادة إنتاج للأزمة.

وفي انتظار جولة ثانية أكثر وضوحًا، تبقى شرم الشيخ منصة اختبار حقيقية لجدية الأطراف، ولما إذا كان العالم مستعدًا لترجمة الأقوال إلى أفعال تنهي مأساة غزة المستمرة منذ عامين.