مصطفى عبد السلام
رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"
أخيرًا، بعد عامين من القتال الشرس، وضعت حرب الإبادة الجماعية على غزة أوزارها، وتم الإعلان عن اتفاق يمهد الطريق لإنهاء الحرب، وانسحاب إسرائيل من القطاع، وتبادل الأسرى والمحتجزين ودخول المساعدات للقطاع، ويطوي مرحلة بالغة القتامة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط.
ورغم ترحيب الفصائل الفلسطينية وحكومات عربية وأجنبية عدة باتفاق وقف إطلاق النار، من المبكر الحكم على نجاح الاتفاق في ظل غطرسة الحكومة المتطرفة في تل أبيب بقيادة بنيامين نتنياهو وعضوية بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير والذين هددوا مرات بإزالة القطاع من على اليابسة، كما تراجعوا في أوقات سابقة عن تنفيذ بنود اتفاقات وقف إطلاق النار في القطاع.
لكن في أيّ حال، فإن المؤشرات الحالية تقول إن حظوظ تنفيذ الاتفاق الجديد قوية، خاصة وأن دولا كبرى ضامنة له ومنها الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا. كما أعلن جيش الاحتلال، الخميس، أنه بدأ بالفعل الاستعدادات العملياتية للانتقال إلى "خطوط انتشار جديدة" داخل غزة، تنفيذًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه.
اقتصاديًا، لاتفاق إنهاء الحرب على قطاع غزّة انعكاسات إيجابية على أهالي القطاع وارتدادات كبيرة على دول المنطقة وأسواق العالم، وأول تلك الارتدادات هو تراجع منسوب المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية داخل المنطقة، وهذا له انعكاسات اقتصادية إيجابية على تلك الدول وفي المقدمة مصر والأردن ولبنان وسورية واليمن.
على المدى القريب، فإنّ وقف الحرب يعني دخول المساعدات والمواد الغذائية والسلع الإغاثية لأهالي غزة، وعودة الحياة الطبيعية للقطاع ووضع نهاية لحرب التجويع المؤلمة، إذ إن الاتفاق ينص صراحة على فتح معبر رفح والمعابر الحدودية كافة، وانسياب الشاحنات، وعدم وجود الاحتلال مستقبلا في محور صلاح الدين (فيلادلفي) الحدودي المحتل بين مصر وفلسطين المحتلة.
كما أنّ وقف الحرب في غزة يخفف أجواء التوتر في منطقة البحر الأحمر، وهو ما يعني عودة سفن النفط والغاز والتجارة لباب المندب وقناة السويس بدلًا من رأس الرجاء الصالح، وهذا في مصلحة أسواق التجارة والطاقة العالمية، كما يعيد إيرادات قناة السويس إلى مستواها الطبيعي والتي تأثرت بشدة بسبب هجمات الحوثيين على سفن الدول الداعمة لحرب الإبادة وتصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، ما دفع شركات شحن عالمية إلى تفادي المرور في البحر الأحمر.
وبحسب بيانات رسمية، فقد تراجعت إيرادات القناة 45.5% خلال العام المالي الماضي إلى 3.6 مليارات دولار مقابل نحو 6.6 مليارات دولار العام السابق له. ووفق تصريحات وزير المالية المصري، أحمد كجوك، فإنّ مصر خسرت 145 مليار جنيه من إيرادات قناة السويس في السنة المالية 2024-2025 بسبب اضطرابات البحر الأحمر.
وقف الحرب أيضا يفتح الباب أمام مشروع إعادة إعمار قطاع غزة، وهذه فرصة للمستثمرين الأجانب والشركات العربية والعالمية في ظل ضخامة كلفة الإعمار المقدرة بنحو 80 مليار دولار، لكن يظل السؤال هنا: من سيمول تلك التكلفة الضخمة، هل دول المنطقة وفق تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الخميس، التي قال فيها إن دولًا في الشرق الأوسط تمتلك ثروات طائلة وستساعد في إعادة إعمار قطاع غزة؟
على مستوى ارتدادات وقف الحرب في غزة أيضًا، إن تراجع المخاطر الجيوسياسية سيعيد السياح والمستثمرين الأجانب إلى أسواق دول المنطقة التي تأثرت سلبًا بطول أمد الحرب واتساع رقعتها وزيادة مخاطرها.