في تطور سياسي وعسكري مهم، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، ليلة الخميس – الجمعة، مصادقة حكومته على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي جرى التوصل إليه فجر الخميس، عقب مفاوضات غير مباشرة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية على مدار الأسبوع الجاري، بمشاركة وفود أمنية مصرية وقطرية وأميركية.

وأوضح مكتب نتنياهو، في بيان رسمي، أن الحكومة الإسرائيلية وافقت بالإجماع على الاتفاق الذي يتضمن وقفاً متبادلاً لإطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، مقابل انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من مناطق داخل القطاع، في خطوة تمثل أول انفراجة دبلوماسية بعد شهور من التصعيد العسكري الدامي.
 

بدء الهدنة خلال 24 ساعة
وكانت المتحدثة باسم حكومة الاحتلال شوش بادروسيان قد أعلنت، في مؤتمر صحافي مساء الخميس، أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ خلال 24 ساعة من انعقاد اجتماع مجلس الوزراء، موضحة أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) عقد اجتماعاً أولياً لبحث تفاصيل الاتفاق، تبعه اجتماع موسع للحكومة بكامل أعضائها لإقراره رسمياً.

وقالت بادروسيان إن الاتفاق ينص على أن يقوم الجيش الإسرائيلي بإعادة تموضع قواته إلى ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" وفق الخرائط التي تم تداولها خلال المفاوضات. وبيّنت أن هذا الخط يمثل مرحلة انسحاب أولى تشمل المناطق الشرقية والوسطى من القطاع، بينما تبقى قوات الاحتلال متمركزة في مناطق محددة، تمثل نحو 53% من مساحة قطاع غزة.

وأضافت أن الاتفاق يقضي بأن “تبدأ نافذة زمنية مدتها 72 ساعة بعد فترة الانسحاب الأولى، يتم خلالها تنفيذ عملية تبادل الأسرى والمحتجزين وفقاً للآلية التي تم الاتفاق عليها عبر الوسطاء”، مشيرة إلى أن هذه المرحلة ستخضع لمتابعة مباشرة من الوفد المصري الراعي للاتفاق لضمان التزام الطرفين ببنوده.
 

تفاصيل عملية تبادل الأسرى
وبحسب البيان الحكومي الإسرائيلي، فإن المرحلة الثانية من الاتفاق تتضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين دفعة واحدة، دون مراسم علنية، على أن تتولى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نقلهم مباشرة إلى أراضي الاحتلال عبر معبر كرم أبو سالم.

وتقدّر الجهات الأمنية في تل أبيب عدد المحتجزين الإسرائيليين الأحياء في قطاع غزة بنحو 20 شخصاً، في حين تحتجز حركة حماس 28 جثماناً لجنود ومستوطنين قُتلوا خلال الحرب. وتعهدت الحركة، وفقاً لما نقلته المصادر الإسرائيلية، بإعادة الجثامين التي يمكن تحديد مواقعها المؤكدة، موضحة أن هناك 9 جثامين لا تعرف مواقع دفنها بدقة بسبب القصف المتواصل وانهيار الأبنية خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع.

وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن ملف تبادل الأسرى كان العقبة الأكبر خلال مفاوضات شرم الشيخ، حيث تم التوصل إلى صيغة “مرنة” تحفظ لكل طرف مكاسبه السياسية. فبينما يقدّم الاحتلال استعادة “رهائنه” كإنجاز داخلي، ترى حماس في المقابل أن وقف إطلاق النار والانسحاب الجزئي الإسرائيلي يعدّان انتصاراً ميدانياً ومعنوياً بعد عامين من الحرب.
 

انسحاب مشروط وملف الإعمار
وتوضح بنود الاتفاق – بحسب التسريبات – أن انسحاب جيش الاحتلال إلى الخط الأصفر لا يعني نهاية الوجود العسكري في غزة بشكل كامل، بل هو انسحاب مشروط بمدى التزام الفصائل الفلسطينية بالتهدئة ووقف إطلاق الصواريخ. كما يتضمن الاتفاق آلية مراقبة دولية بإشراف الأمم المتحدة والوساطة المصرية لضمان عدم انهياره خلال الأيام الأولى.

وفي الجانب الإنساني، نص الاتفاق على بدء مرحلة تقييم الأضرار وإعادة الإعمار تحت إشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي، على أن تُفتح المعابر تدريجياً لدخول المساعدات الإنسانية والطبية. وتؤكد القاهرة، بصفتها الدولة الراعية، أن نجاح الهدنة مرهون بمدى التزام الاحتلال بوقف الغارات ورفع الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 18 عاماً.
 

ردود الفعل والآفاق المستقبلية
ورحّبت عدة دول عربية وغربية، بينها مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة، بإقرار الاتفاق، داعية إلى البناء عليه كخطوة نحو تسوية سياسية شاملة تضمن إنهاء الحصار وتحقيق الاستقرار الدائم.

أما في الأوساط الإسرائيلية، فقد واجه نتنياهو انتقادات من المعارضة واليمين المتطرف، الذين اعتبروا الاتفاق “تنازلاً خطيراً” لحماس، في حين يرى المراقبون أن رئيس الوزراء يسعى من خلال الهدنة إلى كسب الوقت وتخفيف الضغط الشعبي والدولي بعد فشل العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها.

وفي المقابل، لم تُصدر حركة حماس بياناً رسمياً حتى اللحظة، لكن مصادر مقربة من الحركة أكدت أن الالتزام بالاتفاق “مرهون بمدى صدق الاحتلال في تنفيذ بنوده”، محذّرة من أن أي خرق سيقابل بـ"رد قوي وفوري".

ومع دخول الاتفاق مرحلة التنفيذ خلال الساعات القادمة، تبقى الأنظار متجهة إلى الميدان في غزة، حيث سيتحدد مصير الهدنة خلال الأيام الثلاثة الأولى، في اختبار حقيقي لمدى إمكانية ترجمة تفاهمات شرم الشيخ إلى واقع يضع حداً مؤقتاً لدوامة الدم والدمار في القطاع المحاصر.