وسط احتفاء سياسي وإعلامي رافق الزيارة الخاطفة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة "احتفالاً" باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، برزت رسالتان إيرانيتان متزامنتان: رفض العودة إلى مفاوضات مباشرة مع واشنطن، والاعتذار عن حضور قمة شرم الشيخ.

يرى الصحفي والمحلل السياسي عبدالباري عطوان أن الرفض الإيراني للمشاركة في "المهرجانات الدبلوماسية" مثل قمة شرم الشيخ، هو "رسالة واضحة بأن طهران لن تكون جزءاً من أي تسوية لا تعالج جذور الصراع ولا تضمن حقوق الفلسطينيين".
ويعتبر كليب أن هذه القمم "تهدف إلى تلميع صورة الإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة الإقليمية أكثر من تحقيق سلام حقيقي".
 

إشارات سياسية حادة من طهران: لا تفاوض تحت النار
أعاد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تأكيد موقف بلاده بأن طهران "لا يمكنها التعامل مع الذين هاجموا الشعب الإيراني".

ويضع رئيس تحرير "رأي اليوم"، عبد الباري عطوان، هذا الموقف في سياقه، مؤكداً أن "القيادة الإيرانية، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا، مصيبة تماماً في رفضها الاستجابة لدعوة ترامب للحوار وتجنب لقائه".
يتساءل عطوان: "كيف يهرول وفد إيراني للمشاركة في مفاوضات مع عدو قصف بلاده، ودماء شهدائه لم تجف بعد؟"، معتبراً أن الامتناع عن المصافحة هو "أقل ما يمكن فعله للحفاظ على الكرامة الوطنية في وجه غطرسة أمريكية غير مسبوقة".
 

قراءة عسكرية: ردع مُحسّن ونوافذ تفاوض مشروطة
يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إليجا ماغنير، أن رفض طهران التفاوض هو جزء من تكتيك "الامتناع الهجومي" الذي يهدف إلى رفع الكلفة الميدانية قبل فتح أي نافذة تفاوض من موقع قوة.
ويضيف ماغنير أن "إيران وحلفاءها أثبتوا خلال المواجهات الأخيرة قدرتهم على فرض معادلات ردع جديدة، باستخدام أسلحة دقيقة ومتطورة جعلت الضربات الاستباقية عملية عالية المخاطر".

من جهته، يشير المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هاريل، إلى أن "الجيش الإسرائيلي يواجه تحدياً متزايداً في التعامل مع كثافة النيران وتعدد الجبهات، وأنظمة الدفاع الجوي لم تعد قادرة على توفير حماية بنسبة 100%".
يعترف هاريل بأن "كل جولة قتال تفرض على المؤسسة العسكرية إعادة تقييم جدوى العمليات العسكرية طويلة الأمد مقابل الأضرار الاستراتيجية والاقتصادية".
 

عنف الحرب القصيرة وهشاشة الهدنة
أنتجت حرب الـ 12 يوماً تصعيداً دفع تل أبيب لطلب وساطات عاجلة.
يرى عبد الباري عطوان أن "حرب الـ 12 يوماً الأخيرة هي التي دفعت ترامب لمطالبة إيران بالعودة للمفاوضات، لأنه يريد إنقاذ إسرائيل وإطالة عمرها".

في المقابل، تصف دوائر أمريكية الهدنة بأنها "نافذة استراحة" مرتبطة بإطلاق سراح الرهائن.

هذه الهشاشة تجعل أي احتفال بالسلام "سابقاً لأوانه ومنافياً للحقيقة المرة على الأرض"، كما يصفها سامي كليب.
 

حسابات ترامب: إنقاذ الحليف وتلميع السجل
يرى فريدريك وهري، الباحث في "مؤسسة كارنيغي"، أن سياسة ترامب تهدف إلى تحقيق "إنجاز سياسي سريع" يمكن تسويقه انتخابياً، دون الانخراط في حلول هيكلية معقدة.
ويضيف وهري أن "دعوة ترامب للحوار تأتي في سياق محاولة احتواء التصعيد وإنقاذ قدرة الردع الإسرائيلية، مع السعي لضخ استثمارات عربية في الاقتصاد الأمريكي تحت غطاء إعادة الإعمار".

هذه المقاربة، حسب وهري، تتجاهل أن "الرئيس الأمريكي لم يقدم أي تنازل حقيقي بشأن حل الدولتين أو وقف دعم التوسع الاستيطاني، مما يجعل نواياه موضع شك كبير لدى الفاعلين الإقليميين".
 

ديناميكيات الجبهات وتوازن الردع المستقبلي
في غزة، أعادت المقاومة بناء شبكة تحكم لا مركزية.
وفي لبنان، تتراكم القدرات الصاروخية.
وفي اليمن، يستمر الضغط البحري.
وفي إيران، تتطور القدرات العسكرية.

يخلص إليجا ماغنير إلى أن "محور المقاومة يعمل الآن ككيان مترابط، وأي عدوان على أحد أعضائه سيواجه رداً من جبهات متعددة".

ويتفق عاموس هاريل على أن "مفهوم الحرب على جبهة واحدة قد انتهى، وأن أي مواجهة قادمة ستكون أكثر تعقيداً وكلفة".
 

خلاصة: زمن "الطريق ذي الاتجاه الواحد" قد ولى
يجمع الخبراء على أن طهران ترى أن زمن الحروب ذات الاتجاه الواحد قد انتهى.
أي مسار تفاوضي لن يُفتح إلا ضمن معادلة "هدنة مضمونة، وتخفيف للعقوبات، واحترام للخطوط الحمراء".

أما الاحتفاء الدبلوماسي دون معالجة جذور الصراع ووقف الكلفة الإنسانية، فلن يصمد طويلاً. وكما يلخص عبد الباري عطوان: "الحرب القادمة والوشيكة لن تكون مثل سابقاتها... والأيام بيننا".