في خطوة تكشف عن نوايا الاحتلال الإسرائيلي الحقيقية تجاه قطاع غزة، أبلغت سلطاته الأمم المتحدة رسميًا بأنها لن تسمح بدخول أكثر من 300 شاحنة مساعدات يوميًا إلى القطاع المحاصر.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل فرضت قيودًا خانقة على إدخال الوقود والغاز، وحصرتهما في "احتياجات البنية التحتية فقط"، في قرار يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي الممنهج ضد أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، ويكشف في الوقت ذاته عن العجز المخزي للمجتمع الدولي.
 

أزمة إنسانية محسوبة
قبل العدوان الأخير، كانت تقديرات المنظمات الدولية، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تشير إلى أن قطاع غزة يحتاج إلى ما لا يقل عن 500 إلى 600 شاحنة يوميًا لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.
أما اليوم، وبعد أشهر من الدمار الذي طال كل مناحي الحياة، يأتي قرار الاحتلال بتحديد سقف 300 شاحنة كإعلان صريح عن سياسة تجويع متعمدة.
هذا الرقم لا يمثل سوى قطرة في محيط من الاحتياجات المتفاقمة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء الصالح للشرب والدواء.

الأخطر من ذلك هو تقييد دخول الوقود، الذي يمثل شريان الحياة للقطاع. فعبارة "احتياجات البنية التحتية" هي كلمة حق يُراد بها باطل، إذ يتجاهل الاحتلال أن المستشفيات ومحطات تحلية المياه ومضخات الصرف الصحي والمخابز كلها بنى تحتية مدنية تعتمد كليًا على الوقود لتعمل.
وبدون وقود، تتوقف غرف العمليات وحاضنات الأطفال، وتتكدس النفايات في الشوارع، وتتلوث مياه الشرب، مما ينذر بكارثة صحية وبيئية وشيكة.
هذا التحكم في الوقود ليس إجراءً أمنيًا، بل هو استخدام لأبسط مقومات الحياة كسلاح حرب ضد المدنيين.
 

صمت دولي يصل حد التواطؤ
أمام هذه الجريمة الموصوفة، يقف العالم موقف المتفرج العاجز، بل والمتواطئ أحيانًا.
تكتفي العواصم الغربية، بما في ذلك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإصدار بيانات خجولة تدعو إلى "تسهيل وصول المساعدات"، دون أن تقترن هذه الدعوات بأي ضغط حقيقي أو إجراءات رادعة.
هذا الموقف يكشف عن ازدواجية معايير فاضحة؛ فالدول التي تسارع إلى فرض عقوبات قاسية في سياقات دولية أخرى، تمنح الاحتلال الإسرائيلي حصانة مطلقة لممارسة أبشع أشكال العقاب الجماعي.

ويعلق خبراء في القانون الدولي بأن الحصار المفروض وتقييد المساعدات الحيوية بشكل متعمد يرقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب اتفاقيات جنيف.
لكن يبدو أن هذه القوانين تفقد قيمتها عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
الصمت العالمي ليس مجرد فشل دبلوماسي، بل هو ضوء أخضر للاحتلال للاستمرار في سياسته الخانقة، ورسالة مهينة للشعب الفلسطيني بأن حياته ومعاناته لا قيمة لهما في ميزان السياسة الدولية.
إن هذا التقاعس المخزي يجعل المجتمع الدولي شريكًا فعليًا في الجريمة التي تتكشف يوميًا في غزة.

القرار الإسرائيلي لم يكن ليصدر لولا يقين مطلق بغياب أي محاسبة دولية جادة.