لم تكن ليلة الخميس الماضية عادية على الإطلاق في منطقة أبو الهنا التابعة لمدينة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية. فبينما خيّم الهدوء على الشوارع الضيقة والبيوت المتجاورة، تحوّل المشهد في لحظات إلى فوضى ورعب، بعد أن دوّى صراخ واستغاثات شاب يتعرض لهجوم عنيف من مجموعة من البلطجية المسلحين، في واقعة هزّت الشارع المصري وأثارت موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الضحايا كُثر في مثل هذه الأحداث، لكن هذه المرة، لم يكن المعتدى عليه سوى محمد محمود رجب، الشهير بـ"الفولي"، شاب يبلغ من العمر 29 عامًا، معروف بين أهالي المنطقة بدماثة خلقه واجتهاده في العمل، إذ كان يعمل نهارًا في ورشة ميكانيكا، ويقود توك توك ليلًا لمساعدة أسرته البسيطة في تحمل أعباء الحياة.
 

 

هجوم جماعي مسلح.. واختطاف في وضح الليل
وفقًا لروايات الأهالي، بدأت المأساة حينما اعترض طريق محمد أكثر من ثلاثين شخصًا مدججين بالأسلحة البيضاء، بينهم أربع سيدات، وانهالوا عليه ضربًا بطريقة وحشية دون رحمة، وسط تهديدات صريحة لكل من حاول التدخل لإنقاذه.
يقول أحد شهود العيان: "كنا قاعدين قدام الجراج، سمعنا صريخ محمد بيقول (الحقوني.. هياخدوا مني التوك توك)، لكن محدش قدر يقرب.. كانوا معاهم سنج وسكاكين ومواسير، وكانوا بيهددوا أي حد يتحرك."

بعد لحظات من الرعب، اختطف الجناة الشاب داخل التوك توك، في مشهد صادم ترك الحي بأكمله في حالة ذهول، إلى أن تم العثور على جثمانه بعد ساعات، ملقى في أحد الشوارع الجانبية، مصابًا بعدة طعَنات نافذة في الصدر والبطن، وفق تقرير الطب الشرعي الذي أكد أن الوفاة جاءت نتيجة نزيف حاد جراء الجروح.
 

الأسرة المكلومة.. "ابننا مات وهو بيكافح بالحلال"
في منزل بسيط غارق بالحزن، جلست أسرة "الفولي" تتلقى العزاء، وقد خيمت على المكان حالة من الانكسار لا توصف.
تروي فاطمة محمود رجب، شقيقة الضحية، تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة شقيقها، وتقول وهي تبكي بحرقة: "محمد كان طيب ومكافح، بيشتغل من الصبح لآخر الليل عشان يساعدنا. حلمه بسيط.. كان نفسه يخطب ويتجوز ويعيش في أمان، لكنهم حرموه من الحياة. الإعدام قليل عليهم."

أما جدته، التي ربّته منذ صغره، فقد تحدثت بكلمات تمزق القلوب: "محمد كان ابني اللي ما جاش من بطني، كان بيساعد الغريب قبل القريب، وما يعرفش طريق الغلط. اللي عملوه فيه حرام، وحسبنا الله ونعم الوكيل."
 

الأب المكلوم.. "لقيته في التلاجة"
بصوت متقطع يغلب عليه القهر، يروي محمود رجب الفولي، والد المجني عليه، لحظات علمه بالحادث: "كنت في شغلي لما جالي تليفون من ابني التاني بيقولي (الحق يا بابا.. محمد اتقتل). الدنيا اسودت في وشي، جريت على المستشفى، ولما شوفته في التلاجة ما كنتش مصدق إن ده ابني. محمد كان سندي وسند أخواته البنات، راح وهو بيكافح بالحلال."

ويطالب الأب بالقصاص العادل: "عايز حق ابني يرجع، كل شبرا الخيمة تشهد إن محمد ما أذى حد في حياته. لو العدالة ما جابتش حقه، مش هنلاقي أمان في البلد."
 

جيران الضحية: "الهجوم كان مرعبًا.. والناس خافت تتدخل"
يقول أحد الجيران، وهو شاهد عيان: "الليلة دي مش هتنساها شبرا الخيمة. الهجوم كان مرعب، حوالي 30 بلطجي ومعاهم ستات، مسلحين بكل حاجة ممكن تتخيلها. محدش قدر يتحرك. محمد وقع على الأرض وهما بيضربوه، وواحدة منهم داست على رقبته."
ويضيف: "محمد كان محترم وهادي، ما عمره دخل في مشكلة. الجنازة كانت مليانة ناس، الكل بيبكي عليه لأنه كان محبوب من الكبير والصغير."
 

مطالب بالقصاص وسرعة ضبط الجناة
انتشرت الواقعة على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبة بمقاطع فيديو وصور من مكان الحادث، وسط دعوات من المواطنين لـمحاسبة الجناة وعدم التهاون مع البلطجة التي تهدد أمن المواطنين.
وطالب الأهالي أجهزة الأمن بسرعة القبض على المتورطين وتقديمهم للعدالة، مؤكدين أن ما جرى ليس مجرد مشاجرة، بل جريمة قتل جماعي بشعة تستوجب القصاص العادل.
 

 

غضب شعبي ورسائل مؤثرة على مواقع التواصل
تصدّر اسم "الفولي" مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، حيث عبّر الآلاف عن غضبهم من الجريمة، ونعى الكثيرون الشاب بكلمات حزينة، وشاركوا صورته مصحوبة بعبارات مثل: "رحمك الله يا ابن شبرا.. موتك فاجعة لكل اللي عرفوك"، "الإعدام للبلطجية.. دم الفولي مش هيضيع."
 

"حق الفولي لازم يرجع"
بين أروقة بيت بسيط فقد أحد أعمدته، وبين دعوات الجيران وأصوات الغضب في الشارع، تتكرر الجملة ذاتها على ألسنة الجميع: "حق الفولي لازم يرجع."
فالقصة لم تعد مجرد حادث مأساوي، بل صرخة في وجه البلطجة والعنف الذي يهدد أمن المواطنين في أحيائهم وبيوتهم.
 

البلطجة تنتشر.. وأمن المواطن في خطر
حادثة مقتل "الفولي" ليست الأولى من نوعها، لكنها تعكس تصاعد ظاهرة البلطجة والعنف العشوائي التي باتت تهدد حياة الأبرياء في الشوارع المصرية.
في السنوات الأخيرة، تكررت مشاهد الاعتداءات الجماعية، والسطو، والمشاجرات بالأسلحة البيضاء في وضح النهار، في ظل غياب الردع الكافي وتراخي تطبيق القانون في كثير من الحالات.

ويؤكد خبراء الاجتماع والأمن أن هذه الظاهرة تتفاقم بسبب ضعف الوجود الأمني في بعض المناطق الشعبية، وتأخر المحاكمات الجنائية، مما يفقد المواطنين الإحساس بالأمان ويشجع المجرمين على التمادي.

ويرى الأهالي أن ما حدث مع "الفولي" رسالة مؤلمة عن واقع بات فيه المواطن البسيط يخشى السير في الشارع ليلًا، مطالبين الدولة بإعادة فرض هيبة القانون وتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم البلطجة والقتل، حتى لا يتكرر المشهد المأساوي ذاته في حي آخر أو مدينة أخرى.

يقول أحد سكان المنطقة بحسرة، مضيفًا: "إحنا مش طالبين غير العدل.. واللي يقتل لازم يتحاسب فورًا، مش بعد سنين محاكم، "الناس بقت تخاف تخرج.. مافيش أمان ولا ردع ولا قانون بيخوفهم".