طرحت صحف عالمية بارزة، بينها “الجارديان” و”الإيكونوميست”، إلى جانب تقارير رسمية من البيت الأبيض، سيناريو إدارة انتقالية محتملة لقطاع غزة، يتولى قيادتها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، والمستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، وذلك ضمن خطة ترامب لإعادة الإعمار بعد الحرب.

 

ويرتبط هذا السيناريو بمؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد مؤخراً، بمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقادة مجموعة العشرين، ما يجعل الحديث عن “اليوم التالي” لغزة أكثر إلحاحًا على الساحة الدولية والإقليمية.

 

أكد القيادي في “حماس”، محمود المرداوي، أن “أي خطة انتقالية خارج إرادة الشعب الفلسطيني لن تُنجح، وأن أي إدارة مؤقتة ستكون ممكنة فقط ضمن وحدة النظام السياسي والجغرافي وبإطار القانون الأساسي الفلسطيني، وغير ذلك فهي: وصفة للفشل”. وأضاف أن “حماس ترمز لكل المقاومة الفلسطينية وفصائل العمل الوطني والإسلامي”، على حد تعبيره.

 

وشدد المرداوي  على أن “تنازل حماس عن الحكم لصالح عملية سياسية مستقبلية لا يعني تخليها عن السياسة أو عن حماية الدم والتضحيات والمقدسات الفلسطينية”.

 

وفي السياق ذاته، حذر الخبير العسكري محمد المقابلة من أن التحدي لا يقتصر على السلاح المادي، بل يشمل رمزيته أيضًا، موضحًا أن “إدارة تُفرض خارجيًا على سلاح المقاومة قد تؤدي إلى اقتتال داخلي وتمكين أجهزة السلطة من قمع الفصائل”.

 

وأكد في حديثه أن أي مساس بالقدرات الدفاعية للفلسطينيين يضعف موقفهم أمام الاحتلال ويهدد الاستقرار الداخلي، مضيفًا: “الخطر الحقيقي هو في فقدان السيطرة الرمزية على السلاح، وليس المادية فقط، وهذا قد يزرع هزيمة معنوية داخل الوعي الفلسطيني”.

 

من جهته، تحدث مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، جواد الحمد، عن ضرورة وجود بدائل سياسية واقعية في ملف حكم غزة، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي بات أكثر وعيًا بحقيقة الصراع.

 

وأوضح في حديثه أنه بعد إطلاق المقاومة لعملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر 2023، “أثبت الشعب الفلسطيني وفصائله قدرتهم على خلق بدائل للواقع الصعب الذي يفرضه الاحتلال”.

 

وأضاف: “الانتفاضات الكبرى، ستة حروب على غزة، وعملية 7 أكتوبر أعادت القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال الدولي. الطريق نحو إنهاء الاحتلال محفوف بالتضحيات، لكن الشعب الفلسطيني يثبت صموده أمام التحديات والخذلان الدولي”.

 

وفي السياق القانوني، أكد رئيس مؤسسة “العدالة لحقوق الإنسان”، المحامي خالد الشولي، أن مجلس الأمن الدولي لا يمتلك الصلاحية لفرض إدارة انتقالية على قطاع غزة إلا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مع ضرورة وجود موافقة فلسطينية واضحة.

 

وأشار في حديثه إلى أن الإجراءات الأممية الاستثنائية لا تمنح أي تفويض لتجاهل حقوق الفلسطينيين، وأن فرض إدارة أممية دون موافقة الشعب يعني نزع السيادة وإلغاء الحق في تقرير المصير، وهو انتهاك مباشر للشرعية الدولية ولقواعد القانون الدولي الإنساني، وفقًا لـ “قدس برس”.

 

أما في الشارع الغزي، فقد عبّر طيف واسع ممن تحدثت إليهم “قدس برس” عن رفضهم لفكرة الإدارة الدولية لقطاعهم. وقال المواطن محمود العيسوي إن “كل من تورط بدماء وأرواح أهل غزة لن يحظى بأي ترحيب، وتوني بلير من أكبر المتورطين بجرائم الإبادة سابقًا وحاليًا، لذا هذه شخصية مجرمة يجب أن تقدم للمحاكمة”، على حد تعبيره.

 

في السياق ذاته، أكد فيصل مزيد أن مجرد طرح اسم توني بلير كحاكم مؤقت لغزة “لن يكون له أي قبول شعبي، خاصة أن هذا الرجل معروف لدى الناس هنا بولائه للكيان الصهيوني”.

 

وأضاف: “بريطانيا أصلاً هي من منحت اليهود وعد بلفور المشؤوم بإقامة وطن قومي لهم على أرضنا… لن يحكم غزة إلا أهلها ومن ضحوا من أجلها، والوعود بالإعمار والمساعدات لا تُقنع الناس الذين قدموا أغلى ما لديهم”.

 

وكان تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية قد أشار إلى أن خطة إدارة بلير ترتكز على مجلس من 7–10 أشخاص، بتمويل خليجي، يتولى مهام إعادة الإعمار، تقديم الخدمات الأساسية، وتثبيت الأمن.

 

وفي ردود فعل رسمية، أكدت وزارة الخارجية المصرية أن أي إدارة دولية يجب أن تحترم السيادة الفلسطينية، وألا تُهمش منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، مع مشاركة فعلية للشعب الفلسطيني في أي مرحلة انتقالية. كما شددت وزارة الخارجية الأردنية على أهمية ضمان مشاركة فلسطينية فعّالة وعدم المساس بالحقوق الأساسية للسكان.

 

من جانبها، حذرت منظمات حقوقية دولية، مثل “هيومن رايتس ووتش”، من أن أي إدارة تُفرض دون مساءلة فلسطينية واضحة ستصبح مصدرًا لمآسي جديدة، مشيرة إلى نص المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر فرض سلطة خارجية على شعب محتَل دون مبرر قانوني.