تفاقمت شكاوى أهالي شبرا الخيمة من قيام المجزر الآلي بإلقاء مخلفات الذبح والسوائل الناتجة عنها في مساحة مفتوحة ملاصقة لمجمّع مدارس بهتيم وعلى ضفاف النيل، ما حول المنطقة إلى بؤرة ملوِّثة تعجّ بالروائح النفاذة والذباب والطيور والحيوانات الضالة، وتُهدِّد صحة التلاميذ والسكان المحيطين.

 

يقول أولياء أمور إن عربات نقل مرتبطة بالمجزر «تفرّغ بقايا الذبح والسوائل قرب سور المدارس»، وإن المشهد «يتكرّر بصورة شبه يومية» خصوصًا في ساعات الصباح الأولى وقبيل انتهاء اليوم الدراسي.


على الأرض، يوثّق معلمون وأهالٍ تكدُّس أحشاء وجلود ممزقة ومسارات صرف بدائية تتجمع فيها سوائل الذبح قبل أن تُزال ظاهريًا وتعود سريعًا مع استمرار النشاط. وتؤكد معلمة من المجمع: «غيّرنا مواعيد الفسح أكثر من مرة بسبب الحشرات والروائح. هذه بيئة لا تليق بالأطفال»، فيما يقول ولي أمر: «المشهد على بوابة المدرسة مهين… دماء ومخلفات على الأرض».

 

وتشير هذه الإفادات إلى خلل مزمن في إدارة المخلفات بالمحيط نفسه الذي شهد حملات رفع تراكمات عدة «أسفل كوبري المجزر» وبمداخل حي غرب خلال الأسابيع الماضية، ما يبرهن أن المشكلة تتكرر ولا تُحل جذريًا.


تفاقم الخطر أن الموقع يقع بمحاذاة مأخذ ومحطة تنقية مياه شبرا الخيمة التي تصل طاقتها التصميمية إلى نحو 600 ألف م³/يوم وتخدم قرابة مليوني نسمة في شبرا الخيمة وبهتيم وأجزاء مجاورة؛ ما يعني أن أي تسرب للمخلفات إلى المجاري المائية أو الشبكات المتصلة قد يتحول إلى تهديد مباشر لمصدر الشرب. تؤكد تقارير فنية حديثة هذه الطاقة والخدمة الواسعة للمحطة، وتُظهر اتساع دائرة المتأثرين من أي تلوث في هذا النطاق.
 


 

قانونيًا، تحظر اشتراطات تشغيل المجازر والمرجعيات البيئية تصريف الدماء وبقايا الذبح في المجاري المائية أو الشبكات العامة دون معالجة مسبقة، وتُلزم بتجميعها ونقلها إلى وحدات معالجة أو مصانع تدوير مع الاحتفاظ بسجل بيئي مُوثّق للكميات ومسارات التخلص؛ وأي انحراف عن ذلك يمثل مخالفة جسيمة تستوجب وقف التشغيل لحين توفيق الأوضاع. تقارير استقصائية مستقلة نبّهت خلال العام الماضي إلى انتهاكات نمطية في إدارة مخلفات مجازر حكومية وخاصّة بمصر، وتحديدًا مخالفة القرارات الوزارية المنظمة و«دلائل وزارة البيئة» لذبح وتجميع ونقل المخلفات.


خطر صحي


صحيًا، يُحذّر أطباء مجتمع من أن الدم الحيواني في العراء وسط مجمّع مدارس يشكل بيئة مثالية لتكاثر الذباب ونواقل الأمراض، ويزيد فرص نوبات الربو والغثيان بين الأطفال والعاملين، فضلًا عن جذب الكلاب الضالة وما يرافقه من مخاطر العقر والطفيليات. ويشدد الأهالي على أن الحلول التجميلية برفع التراكمات أو رش المبيدات لا تعالج أصل المشكلة طالما نقطة التوليد (المجزر) لا تلتزم بخطة تخلُّص ومعالجة مُحكمة.


ويطالب أولياء الأمور وسكان الشياخات المجاورة بخمس خطوات عاجلة:


وقف فوري لعمليات الذبح بالمجزر لحين معاينة بيئية مشتركة (البيئة – الطب البيطري – المسطحات المائية) لمسارات المخلفات داخل وخارج الموقع.


سحب عينات ميكروبيولوجية وكيميائية من نقاط تجمع المخلفات ومن الصرف المتصل بالمدارس وضفة النهر، مع إعلان النتائج للرأي العام.


إلزام المجزر بوحدة معالجة أولية (Pre-treatment) للسوائل، وفصل الدم وتجفيفه/تدويره، ونقل الأحشاء يوميًا في حاويات محكمة إلى جهة مرخّصة، مع سجل نقل يراجع أسبوعيًا.


تثبيت كاميرات مراقبة في محيط المجزر وخطوط خروج المخلفات وربطها بغرفة عمليات الحي، مع إتاحة لقطات الفترة الصباحية لمدارس المجمع عند الطلب.


خطة مرور بديلة تمنع عبور سيارات المخلفات بمحاذاة بوابات المدارس، وجدول زمني مُعلن لإزالة أي تراكمات يعقبه تفتيش مفاجئ دوري.


ويستند الأهالي في حجتهم على أن المنطقة شهدت مرارًا حملات رفع آلاف الأطنان من المخلفات خلال الأيام الماضية في نطاق شبرا الخيمة، وهو ما يثبت وجود تراكمات تاريخية وأن التدخلات الحالية «إطفاء حرائق» لا معالجة مستدامة للمصدر. ويطالبون بتحويل الملف للنيابة الإدارية للتحقيق في المسؤولية الرقابية وسلامة التعاقدات والتشغيل داخل المجزر ومحيطه، وبنشر محاضر التفتيش البيطري والبيئي على الملأ.


خلاصة: ما يجري أمام مجمّع مدارس بهتيم وبجوار ضفة النيل ليس «سوء نظافة» عابرًا، بل فشلٌ إداري وهيكلي في إدارة مخلفات المجزر عند منبعها. ومع وجود مأخذ مياه يخدم ملايين المواطنين، يتحول التقاعس إلى خطرٍ عام لا يحتمل التأجيل. المطلوب إجراءات مُلزمة وليست بيانات تهنئة بحملات نظافة، وخطة مُعلنة تُحاسَب عليها الجهات المشغلة والرقابية—صحة الأطفال والمياه أولى من أي اعتبارات أخرى.