هل حقًا هناك فخر وطني في أن تتحول مصر، بتاريخها ومكانتها، إلى حارسٍ على بوابة أوروبا؟ هذا السؤال الذي طرحه الكاتب جمال سلطان يلخّص مأساة المرحلة. فالنظام الحالي يقدّم نفسه للأوروبيين كـ"درع بشري" يمنع تدفق المهاجرين، مقابل مليارات الدولارات في شكل قروض ومنح واستثمارات مشروطة، أغلبها ديون تُضاف إلى جبل الديون القائم أصلًا.
في المقابل، تُسوَّق هذه الأموال في الإعلام المحلي كـ"إنجاز وطني" وشهادة تقدير من أوروبا لتجربة مصر في إدارة ملف اللاجئين. والحقيقة أن أوروبا لا تمنح مصر الأموال حبًا في إنسانيتها، بل لأنها تريد شراء الأمن، فيما تشتري السلطة في المقابل شرعية زائفة وتمديدًا لأجل أزماتها الداخلية.
https://x.com/GamalSultan1/status/1981977979514241161
أين الفخر في وظيفة "الخفير"؟
يقول جمال سلطان بوضوح: "أي فخر في أن تكون دولة بحجم مصر مجرد خفير لأوروبا؟" وهو تساؤل مشروع، لأن ما يُقدَّم على أنه شراكة استراتيجية هو في حقيقته صفقة خدمية؛ القاهرة تتعهد بضبط الحدود، وتتكفل بإيواء ملايين المهاجرين الأفارقة، والأوروبيون يفتحون خزائنهم بالقروض والمساعدات.
لكن هذه الأموال لا تُوجَّه لبناء مصانع أو تحسين معيشة المصريين، بل لتسكين الأزمات المالية وتثبيت أركان الحكم. وهنا يكمن جوهر انتقاد سلطان: ليس في قيمة المليارات، بل في منطق الارتهان والابتزاز المتبادل. فمصر تُقدَّم للعالم على أنها حائط صدّ للأفارقة، بينما تتحمّل وحدها كلفة الرعاية والأمن والإعاشة، وكل ذلك مقابل تمويلٍ مشروط لا ينعكس على الشعب.
مأساة اللاجئين.. سلعة في المزاد السياسي
السلطة تتحدث عن “ملايين اللاجئين الذين يعيشون بكرامة في مصر”، لكن الواقع أكثر تعقيدًا. هؤلاء المهاجرون يُستخدمون كورقة ضغط تفاوضية. وجودهم يُعرض في المؤتمرات ليكسب النظام نقاطًا لدى بروكسل، بينما الخدمات المقدَّمة لهم محدودة، وغالبًا ما يعيشون في ظروف صعبة بلا ضمانات صحية أو تعليمية أو قانونية حقيقية.
القضية لم تعد إنسانية بل اقتصادية بحتة: اللاجئ أصبح “رصيدًا تفاوضيًا” تستند إليه القاهرة للحصول على التمويل، فيما يُستخدم الخطاب الإنساني لتزيين صفقة أمنية في جوهرها.
دعاية أسامة كمال: "أوروبا آمنة بفضلنا"
في المقابل، خرج الإعلامي أسامة كمال ليقول: “أوروبا تعيش في أمان بفضل مصر، والتجربة المصرية في ملف اللاجئين نموذج إنساني فريد.”
لكن هذا “النموذج” الذي يفاخر به كمال يقوم على منع البشر من الهروب لا على إنقاذهم. فأي فخر في أن يعيش الأوروبي بأمان بينما يزداد المصري فقراً؟ وأي “إنسانية” في أن نكون حراسًا على حدود غيرنا بينما يُدهس العامل المصري يوميًا بغلاء الأسعار وانعدام العدالة؟
التجربة التي يسمّيها كمال “إنسانية” هي في حقيقتها نموذج الردع: ضبط الحدود بالقوة، تقييد حرية الحركة، منع اللجوء، وإرضاء الأوروبي مقابل قروض. ليست هناك إنسانية في هذا المشهد، بل صفقة أمنية باردة تُدار بلغة الأرقام لا القيم.
أوروبا تشتري الصمت.. والسلطة تبيع الكرامة
الاتحاد الأوروبي بدوره لا يرى في مصر سوى حارسٍ فعال يوقف المهاجرين قبل أن يصلوا إلى المتوسط. ولذلك تُغضّ العواصم الأوروبية الطرف عن القمع والانتهاكات وملف الحقوق، ما دامت القاهرة تحافظ على "الاستقرار" وتؤدي دورها كخزان احتواء.
المعادلة بسيطة: أوروبا تشتري الأمن بمالها، والنظام يشتري الوقت بكرامة وطنه. أما الشعب المصري فيظل يدفع الثمن مرتين؛ مرة حين تُرهقه الديون، ومرة حين يُهان اسمه في صفقات “الخِفارة السياسية”.
لا فخر في الارتهان
ما قاله جمال سلطان ليس مجرد رأي، بل صرخة وعي في زمن الخداع الإعلامي، فحين تتحول مصر من دولة صاحبة مشروع حضاري إلى مقاول حراسة لأمن أوروبا، فليس هذا فخرًا بل سقوطًا في فخّ التبعية.
وحين يحتفي إعلام السلطة بوصف “النموذج الإنساني
الفريد”، بينما تُباع الكرامة على طاولة المانحين، فذلك ليس إنجازًا بل مهزلة أخلاقية.
فالفخر لا يُشترى بالمليارات، ولا يُقاس بعدد اللاجئين الذين نمنعهم من الوصول إلى أوروبا، وأن الفخر الحقيقي أن تُدار البلاد بسيادة وعدالة وكرامة، لا بصفقات التسوّل المبطنة
بالقروض والمساعدات.
وكما قال سلطان: "أي فخر وطني في أن تكون دولة بحجم مصر مجرد خفير لأوروبا؟".. الإجابة المؤلمة: لا فخر… بل خزي يُدفع ثمنه من كرامة شعبٍ بأكمله.

