أعلن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي انسحابه الكامل من سباق انتخابات مجلس النواب 2025، معلناً رفضه لـ«إجراءات إقصائية» طالت مرشحيه بعد تأييد قرارات استبعادهم قضائيًا وإداريًا. الإعلان الصادر عن اللجنة المركزية للحزب وصف ما جرى بأنه «تصفية للمجال السياسي» ويفتح الباب أمام سلسلة من التحركات السياسية والقانونية لردّ الاعتبار للمرشحين المستبعدين.

 

قرار الانسحاب جاء بعد استبعاد اثنين من أبرز قيادات الحزب: النائب السابق هيثم الحريري (دائرة محرم بك ــ الإسكندرية) والقيادي محمد عبد الحليم (بندر المنصورة). الحزب اعتبر أن دواعي الاستبعاد (الاستثناء من أداء الخدمة العسكرية في حالة الحريري، ونتائج تحليل مخدرات في حالة عبد الحليم) تُوظّف بطريقة تُغيّر معايير القبول بين دورة انتخابية وأخرى، ما يثير شكوكا حول حيادية المعايير الإجرائية والقانونية.

 

على خلفية ذلك، خرجت مجموعة من الأحزاب والشخصيات العامة بنصّ بيانٍ موحّد بعنوان «ضد الإقصاء.. وضد قتل السياسة» ندّدت عبره بالاستبعادات واعتبرت أنّها «عدوان على الديمقراطية» ومحاولة لتحويل الانتخابات إلى «إجراء شكلي» يخلو من المنافسة الحقيقية. البيان حاز توقيع عدد كبير من الأكاديميين والمحامين والصحفيين والنواب السابقين، من بينهم أسماء بارزة مثل خالد علي ود. جمال زهران ومصباح قطب ومالك عدلي ود. مصطفى كامل السيد وغيرهم، ما يعطي التصعيد بعدًا مدنيًا وقانونيًا واضحًا.

 

الانسحاب لم يكن خطوة انفرادية شكلية؛ بل يمثل مؤشرًا على فقدان ثقة قطاعاتٍ من المعارضة الصغيرة في قواعد اللعبة الانتخابية الحالية. قيادات الحزب أوضحت في بياناتها أنّها ستواصل «النضال في مسارات الديمقراطية السلمية» وتتجه للتحركات القانونية والسياسية، ما يعني أن المشهد الانتخابي مقبِل على موجة طعون وتصعيد حقوقي وسياسي قبل إغلاق باب الترشيح.

 

تداعيات الانسحاب واضحة وذات أبعاد: أولًا، يضع مسألة شرعية تمثيل البرلمان المقبل في دائرة السؤال، إذ أن انسحاب أحزاب معارضة واستبعاد مرشحين بارزين يقلّص من التعددية داخل المجلس. ثانيًا، يفتح هذا المسار بابًا لایةٍ من الاستنكار المدني الذي قد يتسع مع اقتراب يوم الاقتراع — وهو ما رصدته مواقع ومبادرات حقوقية وسياسية وصحفية بالمنصات المحلية والعربية. ثالثًا، يؤدي التراكم القضائي والإداري حول المرشحين إلى زيادة إرباك اللجان الانتخابية وإطالة أمد النزاعات القانونية على نحو قد يؤثر في مواعيد عملية الاقتراع وإجراءات الطعون.

 

أسئلة محورية تطرح نفسها الآن أمام السلطة والهيئة الوطنية للانتخابات: لماذا تغيّرت معايير القبول بين دورات انتخابية متقاربة؟ ما الضمانات المستقلة المتاحة للتحقق من نتائج الفحوص (الطبية أو التحليلية)؟ وما الآليات الشفافة لإعادة إدراج مرشح ثبتت مظلوميته؟ الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب فتح قنوات مراجعة قضائية وإدارية شفافة، وإلا فسيصبح الانسحاب وتوقيع الشخصيات العامة مجرد بداية لتحركات أكبر ضدّ ما يُنظر إليه كأدوات قَصْر للمجال السياسي.

 

خلاصة: انسحاب التحالف الشعبي من الانتخابات ليس مجرد موقف احتجاجي لحزب يساري صغير، بل مؤشر على تآكل ثقة في قواعد اللعبة الانتخابية لدى قطاعات من المجتمع المدني والسياسي. توقيع عدد من المحامين والأكاديميين والصحفيين على بيان «ضد الإقصاء» يمنح التحرك بعدًا قانونيًا ومدنيًا قد يستمر في المُناورة قبل وفي أثناء الاقتراع. إذا لم تُعطَ هذه التحذيرات معالجة شفافة وجدية، فإنّ البرلمان المقبل سيُفتَقد إلى جزء مهم من شرعية التمثيل المتنوّع، وسيبقى سؤال «تكافؤ الفرص» مُعَلّقًا على طاولة السياسة المصرية في الفترة القادمة.