لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن جريمة قتل بين الأزواج في مصر، في تصاعد لموجة العنف الأسري التي تنذر بخطر كبير يهد النسيج المجتمعي، ويضرب كيان الأسرة في مقتل، ويهدد الأبناء بالتشرد وتنشئتهم في أجواء غير سوية قد تكون لها انعاكسات مدمرة على حياتهم في المستقبل.
وشهدت منطقة شبرا الخيمة، أحدث جريمة قتل بين الأزواج، حيث أقدم رجل على قتل طليقته بعد أن رفضت التصالح معه في القضايا التي رفعتها ضده عقب طلاقهما، مما جعله يشعر بالضيق والضغط النفسي، ليقوم على إثر ذلك بتسديد طعنات قاتلة إليها أدت إلى إنهاء حياتها في الحال.
وأقر الزوج في التحقيقات بأنه لم يكن ينوي قتلها في البداية، وإنما حاول التحدث إليها لإصلاح العلاقة بينهما بعد فترة من الخلافات، إلا أنها رفضت الصلح تمامًا. وأكد في اعترافه أنه لم يكن في وعيه لحظة ارتكاب الجريمة، ولم يدرك فداحة ما أقدم عليه إلا بعد سقوطها غارقة في دمائها أمام عينيه.
هذا الحادث يعد حلقة في سلسلة من جرائم العنف الأسري التي أصبحت تتصدر عناوين الأخبار بسبب خلافات بين الأزواج تصل إلى أروقة المحاكم، وهو ما يسلط الضوء على أسباب هذا العنف المفرط داخل المجتمع خلال السنوات الأخيرة.
120 جريمة قتل للنساء في 6 أشهر
ووثق تقرير صادر عن مؤسسة "إدراك للتنمية والمساواة" في يوليو 2025، 120 جريمة قتل لنساء على يد الزوج أو أحد أفراد العائلة خلال النصف الأول من عام 2025 وحده. ويُعد هذا امتداداً لتصاعد بدأت مؤشراته منذ عام 2023، حيث رُصدت 140 جريمة، وارتفع العدد إلى 261 جريمة في عام 2024.
غالبًا ما ترتبط هذه الجرائم بخلافات زوجية تتعلق بالوضع الاقتصادي أو بالشكوك في السلوك، وفقًا للتقرير، الذي يستند إلى بلاغات رسمية وأخبار منشورة، مع الإشارة إلى أن عددًا كبيرًا من الحالات لا يتم توثيقها أو الإبلاغ عنها من الأساس.
ورصدت مؤسسة "إدراك" خلال عام 2024 أكثر من 1,195 جريمة عنف ضد النساء والفتيات في مصر، تنوعت بين القتل، والشروع في القتل، والضرب المبرح، والاغتصاب، والانتحار، والابتزاز الإلكتروني، وغيرها من الانتهاكات.
وقالت مديرة وحدة الرصد في مؤسسة إدراك، شيماء فكري، إن "المعطيات المتاحة تظهر أن جرائم قتل النساء لا تأتي وليدة الصدفة، بل تأتي في الغالب كنهاية مسار طويل من أشكال مختلفة من العنف أوسعها انتشارًا العنف المنزلي. فأغلب الحالات يكون الجاني فيها شريكاً حاليًا أو سابقًا أو أحد الأقارب، وغالباً ما يسبق الجريمة تاريخ من التهديد والاعتداء والمطاردة".
تدهور الوضع الاقتصادي
ثمة عامل مهم أشار إليه مختصون في تحليل جرائم العنف الأسري يتعلق بتدهور الوضع الاقتصادي في مصر، والذي أسهم في تصاعد العنف الأسري، حيث تعاني كثير من الأسر من ضغوط مالية، نتيجة ارتفاع مستوى التضخم إلى مستويات لا مثيل لها في مصر خلال السنوات الأخيرة.
وتراجعت أولويات كثير من الأسر في الوقت الراهن بعد سنوات من الارتفاع في أسعار السلع الأساسية والخدمية، في مقابل ارتفاع الأجور إلى مستويات لا تضاهي تلك الزيادات المستمرة، والتي تثقل كواهل الأزواج في بلد يقبع معظم سكانه تحت خط الفقر.
وفي عام 2023، بلغ معدل الفقر في مصر حوالي 33.3 بالمائة وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. لكن تقارير البنك الدولي تشير إلى أن 66.2 بالمائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر العالمي (والذي يُقدر بحوالي (6.8) دولار يوميًا.
وفي بلد تعول فيه النساء أكثر من 30 بالمائة من الأسر المصرية، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021، وتتحمل فيه ملايين السيدات مسؤولية الإنفاق والرعاية اليومية، يتكشف جانب كبير من الأزمة يظهر ضعف دور الزوج وقوامته، مما قد يؤدي إلى اشتعال الخلافات العنيفة بين الأزواج.
الانفصال بين الزوجين
كما يرجع العنف الأسري في جانب منه إلى الانفصال بين الزوجين وما يترتب عليه من مشاكل، ولجوء الزوجة إلى الحصول على حقوقها المادية، والحق في مسكن الزوج، وهو ما يولد مشاكل تعج أروقة المحاكم بالنظر فيها.
ووفقًا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعئبة العامو والإحصاء في تقريره السنوي، فإن حالات الطلاق وصلت إلى 265 ألفًا و606 حالات طلاق عام 2023 مقابل 269 ألفًا و834 حــــالة عام 2022 بنسبة انخفاض قدرها 1.6 بالمائة.

