في وقت تُعقَد فيه القمة الأوروبية–المصرية الأولى من نوعها اليوم الأربعاء في بروكسل، بحضور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إلى جانب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وجّهت مجموعة من المنظمات الحقوقية الدولية والمصرية نداءً مشتركاً إلى قادة الاتحاد الأوروبي ، حذّرت واستنكرت فيه من تجاهل القمع المنهجي المتصاعد في مصر.

 

وطالبت المنظمات المشارِكة في البيان المشترك بالاعتراف بـ«المكانة المركزية لحقوق الإنسان» لضمان تحقيق أهداف القمة المعلنة حول الاستقرار والازدهار المشتركين بين الجانبين. وجاء التحذير في ظل استمرار الانتهاكات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر، رغم الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية والشاملة الجديدة بين القاهرة والاتحاد الأوروبي في مارس 2024.

 

وأكد البيان أن السلطات المصرية واصلت منذ ذلك التاريخ سياسات القمع المنهجي وعدم التسامح مع المعارضة السلمية، إلى جانب انتهاكات واسعة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من دون أيّ تصحيح جادّ للمسار الحقوقي أو القانوني.

 

هيومن رايتس ووتش: على أوروبا استخدام نفوذها لفرض إصلاحات

 

قال كلاوديو فرانكافيلا، نائب مدير قسم الاتحاد الأوروبي في منظمة هيومن رايتس ووتش، إنّ «قيادات الاتحاد الأوروبي لا يجب أن تتجاهل الانتهاكات المستمرة بحق الشعب المصري تحت حكم السيسي».

 

وأضاف أنّ على أوروبا استخدام نفوذها لضمان إصلاحات حقيقية طال انتظارها، وإلزام الحكومة المصرية باحترام حقوق مواطنيها وتحمل مسؤوليتها أمام شعبها.

 

وأشار البيان إلى أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية أخيراً، مثل الإفراج عن الناشط المصري البريطاني علاء عبد الفتاح بعد ست سنوات من السجن الجائر، أو إعادة إحالة مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان لمراجعة محدودة، ذات طابع رمزي ولم تسفر عن تعديلات جوهرية تضمن توافقها مع المعايير الدولية.

 

وفي المقابل، تواصل السلطات احتجاز المعارضين تعسفاً، وتصدر أحكاماً قاسية بحقهم بعد محاكمات تفتقر إلى العدالة. ففي عام 2025 وحده، أُحيل نحو ستة آلاف شخص إلى المحاكمة بتهم تتعلق بالإرهاب، معظمها على خلفية ممارسة حقوقهم الأساسية.

 

اختفاء قسري وتمويل أوروبي يثير المخاوف

 

وحذّرت المنظمات من استمرار جرائم الاختفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون، في ظل إفلات شبه تام من العقاب. وأعربت عن قلقها من تقارير حقوقية حديثة تشير إلى وجود مقابر جماعية داخل منطقة عسكرية في شمال سيناء، من دون أي تحقيق رسمي حتى الآن.

 

كما نبّهت إلى تصاعد ممارسات القمع العابر للحدود، حيث رصدت وقائع قمع بعثات دبلوماسية مصرية لمتظاهرين سلميين في دول أوروبية، بالإضافة إلى استمرار احتجاز لاجئين وطالبي لجوء تعسفاً داخل مصر، وإعادتهم قسراً لمجرّد تعثّر أوضاعهم القانونية، رغم أنّ قوات الأمن المصرية تتلقى تمويلاً مباشراً من الاتحاد الأوروبي.

 

تمويلات ضخمة بلا مقابل حقوقي

 

وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ذكرت المنظمات أن الحكومة المصرية تلقت وعوداً بتمويلات تتجاوز 50 مليار دولار أميركي من المانحين الدوليين والمقرضين والمستثمرين خلال عامَي 2024 و2025، صُرف معظمها فعلاً، من دون أن تُخصَّص لتحسين الخدمات العامة أو الوفاء بالالتزامات الدستورية في مجالي الصحة والتعليم.

 

في المقابل، تستمر الحكومة في تطبيق تدابير تقشفية قاسية، بينما تتفاقم أعباء المعيشة على عشرات الملايين من المواطنين تحت خط الفقر أو على مقربة منه، وسط ضعف شبكات الحماية الاجتماعية وغياب الدعم الكافي للفئات الأشد فقراً.

 

دعوات إلى إصلاح عاجل ووقف القمع

 

وفي تعليق له، قال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، إنّ «الوعي والقدرات الكامنة لدى الشعب المصري أكبر بكثير من حجم التحديات». وأضاف أنّه «إذا امتنعت السلطات عن القمع واحترمت حق المواطنين في مناقشة أوضاعهم بحرية ونقد، يمكن لمصر أن تتجه نحو مستقبل أفضل يعالج عقوداً من الأزمات والفقر والهجرة القسرية».

 

ودعت المنظمات الحقوقية القادة الأوروبيين إلى استغلال "الشراكة الاستراتيجية" للدفع نحو إصلاحات هيكلية، تشمل التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد، وتحقيق الشفافية والرقابة المحلية على سياسات الحكومة المصرية، معتبرة أنّ غياب هذه العناصر يُعيق أي إصلاح اقتصادي حقيقي أو مساءلة فعالة.

 

"مصر لا تحتمل الانتظار"

 

من جهتها، شددت سمر الحسيني، مديرة المنبر المصري لحقوق الإنسان، على أن «مصر لا تحتمل الانتظار عامين آخرين حتى القمة المقبلة»، محذّرة من مخاطر الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن استمرار القمع.

 

وطالبت الحسيني حلفاء مصر في أوروبا بالضغط على السيسي لفتح المجال العام ورفع القيود عن الإعلام والمجتمع المدني، ووقف الاعتقالات التعسفية، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين وفق معايير حقوق الإنسان.

 

مليارات أوروبية رغم انتهاكات ممنهجة

 

يُذكر أن مصر وقّعت في 29 يونيو 2024 مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي لتقديم دعم مالي بقيمة مليار يورو (1.159 مليار دولار)، رغم عدم اتخاذها خطوات ملموسة نحو احترام الآليات الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وهي شروط كان الاتحاد قد وضعها مسبقاً لصرف التمويل.

 

ورغم ذلك، تلقت القاهرة الأموال في نهاية عام 2024. وفي يونيو 2025، وافق مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على دعم مالي جديد بقيمة أربعة مليارات يورو (4.634 مليار دولار)، تبعته مفاوضات انتهت في أكتوبر 2025 لإبرام مذكرة تفاهم جديدة.

 

وضمّ البيان الحقوقي المشترك منظمات: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مؤسسة عنخ، لجنة حماية الصحافيين، المنبر المصري لحقوق الإنسان، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، إيجيبت وايد لحقوق الإنسان، الشبكة الأورو–متوسطية لحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، منصة اللاجئين في مصر، ومعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.