في ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تعيشه مصر، تعيد حكومة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي طرح مشروع "تصدير العقار المصري" كأداة جديدة لجلب الدولار وسد فجوة تمويلية تتجاوز 10 مليارات دولار سنويًا. لكن خلف الدعاية الرسمية المليئة بالشعارات، تكشف الحقائق الميدانية عن مشروع متعثر، تحكمه الفوضى التشريعية والفساد الإداري، ويخدم بقاء النظام أكثر مما يخدم السوق أو المواطن.
بيع العقار بالدولار.. وسيلة إنقاذ لا وسيلة إصلاح
تروج الحكومة لمشروع "تصدير العقار المصري" بوصفه أحد الحلول السحرية لإنعاش الاقتصاد وجذب العملة الصعبة. غير أن الخبراء يجمعون على أن هذا المشروع لا يعكس سياسة اقتصادية متكاملة، بل هو مجرد محاولة مؤقتة لإنقاذ النظام من أزماته المالية، وليس لتنشيط القطاع العقاري أو دعم المواطنين.
فالسوق العقارية المصرية تمر بحالة ركود خانقة نتيجة الغلاء المفرط وغياب الطلب الحقيقي، إذ لم يعد المواطن قادرًا على الشراء، بينما تُوجه المشاريع الكبرى لخدمة مشروعات العاصمة الإدارية والعقارات التابعة للمؤسسة العسكرية التي استنزفت مليارات الدولارات دون عائد اقتصادي واضح.
فوضى تشريعية وغياب للثقة
يرى أستاذ الاقتصاد وخبير الاستثمار العقاري ماجد عبد العظيم أن فشل الحكومة في تصدير العقار يعود إلى "فوضى تشريعية وبيروقراطية قاتلة"، أبرزها بطء تسجيل الملكية وعدم وضوح القوانين المنظمة لملكية الأجانب.
ويؤكد أن الأجانب يبحثون عن بيئة قانونية مستقرة تتيح لهم الحصول على صكوك ملكية سريعة كما هو الحال في تركيا أو الإمارات، وهو ما تفتقده السوق المصرية بشدة.
وأشار عبد العظيم إلى أن ما يحدث في مصر هو "نصب عقاري مقنن"، إذ جمعت بعض الشركات أموال المشترين منذ عام 2015 دون تسليم الوحدات حتى اليوم، في ظل غياب الرقابة والمساءلة، مطالبًا بتطبيق نظام "حساب الضمان" لضمان حقوق المشترين، وهو نظام ترفض الحكومة تطبيقه حتى الآن.
إخفاق حكومي وفساد إداري
من جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة رشاد عبده أن السبب الحقيقي لتعثر المشروع هو "غياب الكفاءة داخل الحكومة"، حيث تُدار الملفات الاقتصادية على أساس الولاء السياسي لا الخبرة الفنية.
وأشار إلى أن المبالغة في الأسعار وضعف جودة التشطيبات وتقلب سعر الصرف أدت إلى نفور المستثمرين الأجانب والمصريين بالخارج، خاصة في ظل غياب الحوافز التي تقدمها دول منافسة، مثل منح الإقامة أو الجنسية مقابل الشراء.
وفي السياق ذاته، يرى مستشار اقتصاديات العقارات أحمد خزيم أن الأسعار الحالية للوحدات السكنية في مصر وصلت إلى "مستويات فلكية" لا تمت بصلة للواقع أو القدرة الشرائية، إذ يعتمد بعض المطورين سعر صرف للدولار يصل إلى 100 جنيه عند البيع، ما جعل المشروع فاقدًا لأي جاذبية أو جدوى اقتصادية.
"بيت الوطن".. مصيدة للمصريين في الخارج
يؤكد رجل الأعمال المصري المقيم في فرنسا عبد الله هريدي أن تجربة مشروع "بيت الوطن" تمثل نموذجًا صارخًا لفشل الحكومة في التعامل مع ملف المصريين بالخارج.
وقال إن آلاف المصريين دفعوا ملايين الدولارات في رسوم وأقساط على أراضٍ ووحدات لم تُسلَّم منذ سنوات، واصفًا المشروع بأنه "مصيدة عملة صعبة" هدفها جمع الدولارات وليس توفير مساكن حقيقية.
وعود حكومية وأرقام غير واقعية
رغم إعلان الحكومة تحقيق 1.5 مليار دولار من تصدير العقارات في عام 2025، إلا أن الخبراء يشككون في هذه الأرقام، مؤكدين أنها أقرب للدعاية الإعلامية منها إلى الحقائق الاقتصادية.
فالسوق يعاني من ركود غير مسبوق وتراجع في القدرة الشرائية، بينما تواصل دول مثل تركيا والإمارات تحقيق مليارات الدولارات سنويًا بفضل الثقة والتشريعات الجاذبة للمستثمرين.
بيع الأصول في مزاد الدولار
في النهاية، لا يبدو "تصدير العقار المصري" سوى واجهة جديدة لسياسة بيع أصول الوطن بالدولار تحت مسمى "جلب العملة الصعبة".
فبدلًا من إصلاح المنظومة العقارية وتسهيل تملك المصريين لمساكنهم، يواصل النظام بيع الأراضي والمشروعات للأجانب، وسط فوضى تشريعية وفساد ممنهج، لتظل العقارات في مصر سلعة في يد السلطة، لا حقًا للمواطن.
الخلاصة أن مشروع "تصدير العقار المصري" ليس خطة إنقاذ اقتصادي كما تدّعي الحكومة، بل محاولة لتغطية عجز مالي متصاعد عبر بيع ما تبقى من مقدرات الدولة. ومع استمرار الركود، وتآكل الثقة، وتفاقم الفساد، يبقى المواطن المصري هو الخاسر الأكبر في سوق تُدار لخدمة النظام لا لخدمة الوطن.

