من أغرب ما يمكن أن تسمعه في مصر خلال السنوات الأخيرة هو أن يتم اعتقال مسيحيين معارضين للنظام الحالي، ويتم توجيه اتهامات لهم بالانضمام لـ "جماعة إرهابية"، فيما يؤكد عبثية الاتهامات من هذا النوع، التي يمكن أن يجد المتهم فيها نفسه – حال إدانته- قابعًا خلف جدران السجن لسنوات طويلة.

 

ومنذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 2013، يشن نظام السيسي حملات اعتقال موسعة شملت عشرات الآلاف من المعارضين لحكمه الاستبدادي، لم تعد تقتصر على المعروفين بانتمائهم أو تعاطفهم مع جماعة "الإخوان المسلمين"، بل تعدى ذلك إلى اعتقال الكثيرين من أصحاب الآراء المعارضة للجماعة نفسها، بعد أن انكشف لهم أنهم تعرضوا لعملية "خداع" رفضوا الاستغراق فيها حتى النهاية.

 

الانضمام لجماعة إرهابية

 

المثير للدهشة، أن هؤلاء الذين ناصبوا "الإخوان" العداء، ودخلوا في مواقف صدامية معهم، شاركوهم التهمة ذاتها عند اعتقالهم بسبب رفض الديكتاتورية العسكرية، حيث أصبحوا متهمين بالانضمام لـ "جماعة إرهابية"، والأكثر غرابة أن توجه هذه التهمة إلى مسيحيين لم تربطهم يومًا صلة بالجماعة التي يصنفها نظام السيسي على أنها "جماعة إرهابية"، لمجرد أنهم عبروا عن رأيهم المعارض تجاهه، أو كتبوا منشورات على منصات التواصل الاجتماعي ضد ما حدث ويحدث في مصر منذ سنوات، اعتراضًا على تجريف الحياة السياسية، وقمع حرية الرأي، وتكريس هيمنة الحكم العسكري.

 

ومن بين هؤلاء على سبيل المثال، الشاب مينا نسيم راغب الذي وُجّهت له نيابة أمن الدولة العليا في نوفمبر 2024، تهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية والمشاركة في تحقيق أغراضها مع العلم بأهدافها".

 

وفي 2016، قضت محكمة مصرية، بمعاقبة شاب مسيحي يدعى رفقي صبحي يني، بالسجن لمدة 16 عامًا بتهمة الانتماء لجماعة "الإخوان" والمشاركة بتخريب الممتلكات العامة.

 

وفي أغسطس 2022، وجهت نيابة أمن الدولة العليا، اتهامات إلى أربعة شبان مسيحيين هم: آندرو عصمت سمير، جرجس يوسف مسعود، كامل أنور ميخائيل ومينا عربان جندي عقب فترات متفاوتة من الإخفاء القسري. بالانضمام إلى جماعة "الإخوان"، في خطوة اعتبرها حقوقيون استمرارًا لنمط أمني يتوسع في الاستهداف ليشمل المواطنين من خلفيات دينية متنوعة.

 

هاني صبحي

 

آخر هؤلاء الذين يواجهون اتهامات بالانضمام إلى جماعة "إرهابية" على الرغم من كونهم مسيحيين هو الباحث هاني صبحي الذي ظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس يوم الخميس، عقب يومين من تعرضه للإخفاء القسري في مكان غير معلوم إثر اقتحام منزله في منطقة المرج من دون إذن قضائي، بعد ساعات من نشره تدوينة ساخرة عبر صفحته في "فيسبوك" انتقد فيها التمثال الذي صنعه أنصار السيسي له خلال زيارته الأخيرة إلى بلجيكا. وهو حاليًا رهن الحبس على ذمة التحقيق في القضية لمدة 15 يومًا احتياطيًا.

 

وصبحي باحث وروائي شاب، صدرت له في أواخر عام 2024 المجموعة القصصية "روح الروح"، التي تناولت في عدد من نصوصها حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وطرحت تساؤلات إنسانية عن الذاكرة والهوية والمقاومة. كما عُرفت له روايته الأولى "على قهوة في شبرا" الصادرة عام 2020، التي جسدت ملامح الحياة اليومية في الحي القاهري العريق بتنوعه الاجتماعي والثقافي.

 

انتقادات حقوقية

 

وتثير الاتهامات التي توجه إلى مسيحيين بالانضمام إلى جماعة "إرهابية"، انتقادات من جانب المنظمات الحقوقية، باعتبارها تأكيدًا على نمطية الاتهامات التي تستهدف قمع المعارضين من مختلف ألوان الطيف السياسي، بغض النظر عن هوياتهم ومعتقداتهم الدينية.

 

ويعزز هذا من الشكوك التي عبر عنها حقوقيون إزاء الهدف من التوسع في الاعتقالات لتطال مسيحيين لم يثبت عنهم يومًا الانتماء للإخوان، لكنهم يواجهون تهمة الانضمام لها، في محاولة لتكميم أفواه المعارضين وتخويفهم بمثل هذه الاتهام العبثي.

 

وتقول منظمة العفو الدولية، إن مصر تشهد "تدهورًا غير مسبوق" في مجال حقوق الإنسان، وإن اعتقال المسيحيين بتهم الانتماء للإخوان يعكس سياسة أمنية عشوائية.

 

وينص قانون "الإرهاب" في مصر على أنه "يُعاقب بالسجن المشدد كل من انضم إلى جماعة إرهابية أو شارك فيها بأية صورة مع علمه بأغراضها، وتكون العقوبة السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن عشر سنوات إذا تلقى الجاني تدريبات عسكرية أو أمنية أو تقنية لدى الجماعة الإرهابية لتحقيق أغراضها، أو كان الجاني من أفراد القوات المسلحة أو الشرطة".