في خضم أزمة اقتصادية خانقة، وتصاعد غير مسبوق في مستويات السخط الشعبي، نظّمت السلطة المصرية مهرجانًا ضخمًا تحت شعار "مصر وطن السلام"، محاولةً يائسة لتسويق "انتصار سياسي ومعنوي" لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في الوقت الذي تتآكل فيه شرعيته بفعل سياسات قمعية، وانهيار اقتصادي غير مسبوق، وتضييق شامل على الحريات.

 

الاحتفال بوصفه استعراضًا سلطويًا

المهرجان لم يكن سوى مسرحية دعائية مُبالغ فيها، غلب عليها الطابع الاستعراضي، حيث حشد النظام كل أدواته الإعلامية والأمنية والدعائية لتجميل صورة مشوهة، ولتلميع زعيم يُحمّله قطاع واسع من المصريين مسؤولية تدهور أوضاعهم المعيشية.

بُني المشهد بعناية لإيهام الداخل والخارج بأن مصر "مزدهرة ومستقرة"، رغم أن الواقع على الأرض يسير في اتجاه عكسي تمامًا.

الاستعراض العسكري، العروض الغنائية المُنمقة، واللافتات التي تصف السيسي بـ"قائد السلام"، ما هي إلا محاولات لفرض سردية زائفة تُجمّل القمع والفشل، بينما تُدار البلاد وفق منطق أمني لا يعرف الشفافية أو المساءلة.

 

صناعة نصر زائف

بلا حرب ولا معركة، يُقدَّم السيسي كـ"قائد منتصر"، لكن السؤال: على من انتصر؟

الحقيقة أن ما نشهده هو محاولة مكشوفة لصناعة نصر وهمي يُغطي على إخفاقات صارخة:

  • انهيار العملة وتجاوز الدولار حاجزًا غير مسبوق.
  • ديون خارجية تُثقل كاهل الأجيال القادمة.
  • قمع سياسي ممنهج طال النشطاء والصحفيين والمعارضين.
  • تضخم فاحش جعل الغذاء والدواء من الكماليات لكثير من المصريين.

هذه ليست انتصارات، بل علامات على فشل إدارة سياسية واقتصادية عميقة. إن صناعة "مهرجان انتصار" في ظل هذه المؤشرات لا يُعدّ إلا استهزاءً بعقول المواطنين، وسخرية مرة من آلامهم اليومية.

 

تحليل خطاب السيسي – الهروب إلى الأمام

كلمة السيسي في المهرجان كانت كعادته، مليئة بالتعميم، والعبارات العاطفية، والحديث عن التضحيات، دون تقديم أي اعتراف بالمسؤولية أو طرح حلول واقعية للأزمات:

  • تحدث عن "السلام" وكأنه إنجاز شخصي، متجاهلًا أن السلام الحقيقي يبدأ من الداخل: سلام سياسي، وعدالة اجتماعية، وديمقراطية حقيقية، وكلها مغيّبة في عهده.
  • تحدث عن "المشروعات القومية" دون أن يشرح كيف ساهمت في تفاقم الدين العام، أو كيف صُممت لخدمة النخبة لا المواطن البسيط.
  • لم يذكر شيئًا عن التضييق على حرية الرأي، أو السجون المكتظة، أو الإعلام الموجّه، بل واصل سرديته القائمة على التخويف من الفوضى، وكأن المصريين لا خيار لهم إلا القبول به أو الانهيار.

https://www.youtube.com/watch?v=uCA7yB6UOOI

 

رسائل باطنة وراء المهرجان

بعيدًا عن الأضواء والأغاني، يمكن قراءة المهرجان كإشارة لعدة أمور:

  • خوف السلطة من تآكل شرعيتها، ومحاولتها اختراع لحظة نصر رمزية تعيد بناء التفاف شعبي مفقود.
  • رسالة للخارج بأن السيسي لا يزال يحكم قبضته، رغم التململ الشعبي المتزايد.
  • تأكيد لمعادلة الأمن مقابل الحريات، عبر إظهار القوة العسكرية و"الاحتضان الجماهيري"، حتى وإن كان ذلك شكليًا أو تم إخراجه بواسطة الأجهزة الأمنية.

 

الخلاصة أن مؤتمر "مصر وطن السلام" ليس مهرجانًا، بل محاولة سياسية يائسة لإعادة تدوير زعامة تعاني من فقدان المصداقية والقبول الشعبي.

الاحتفال لم يعبّر عن سلام حقيقي، بل عن سلام قسري يُفرض بقوة القمع وكتم الأصوات، وكلمة السيسي، رغم ما حملته من شعارات، لم تُجب عن السؤال الأهم: إلى أين تذهب مصر في ظل هذا النظام؟
ما نراه اليوم هو إعادة إنتاج لأساليب أنظمة ديكتاتورية سابقة، استخدمت الأعلام والأغاني لإخفاء الخراب، لكن النهاية دومًا تكون بانكشاف الحقيقة، مهما طال الزمن.