في مشهدٍ صادمٍ يُلخّص حال الانحدار العربي الرسمي، خرج أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي أحمد موسى، ليُدين ما سماه “هجوم السابع من أكتوبر” متهمًا المقاومة الفلسطينية بقتل المدنيين الإسرائيليين، ومستخدمًا لغة تبرّر العدوان ولا تنصر الضحية.
قال أبو الغيط حرفيًا: “المقاومة مقاومة ضد الجيوش، مش ضد المدنيين. لو قتلت مدنيين ما تزعلش لما يقتلك المدنيين، حتى لو إسرائيل عملت كده فهي الطرف الأقوى ولا تلتزم بالقانون الدولي.”
كلمات تثير الغضب والاشمئزاز، ليس فقط لأنها تتطابق مع رواية الاحتلال الإسرائيلي، بل لأنها تصدر من مسؤول عربي يُفترض أنه صوت الأمة، ورمزٌ للعمل العربي المشترك، بينما في الواقع أصبح صوتًا لتبييض وجه إسرائيل وإدانة من يدافع عن القدس وغزة.
https://www.facebook.com/reel/255608807632706
من يمثل أبو الغيط؟
من يتابع أداء أحمد أبو الغيط منذ توليه الأمانة العامة يدرك أنه لم يكن يومًا على الحياد، بل كان جزءًا من ماكينة النظام المصري التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية سياسيًا وإعلاميًا.
فهو الوزير الذي دافع عن التطبيع في عهد مبارك، ثم عاد في عهد السيسي ليقود خطابًا رسميًا “ناعمًا” تجاه إسرائيل، وصار يُكرّر حرفيًا ما تروّجه تل أبيب من “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، متجاهلًا آلاف الأطفال والنساء الذين يُقتلون يوميًا في غزة.
تصريحاته الأخيرة ليست زلّة لسان، بل تعبير صريح عن اتجاه عربي رسمي بات يرى المقاومة عبئًا، لا شرفًا، ويعتبر الدفاع عن الأرض “إرهابًا”، بينما يغضّ الطرف عن مجازر الاحتلال، وعن إبادة عشرات آلاف الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر.
خيانة الموقف الأخلاقي
ما قاله أبو الغيط يتجاوز السياسة إلى خيانة المبدأ الأخلاقي والإنساني، فهو يساوي بين الجلاد والضحية، ويبرر الجريمة بذريعة القوة، ويقول بوضوح: “إسرائيل لا تلتزم بالقانون الدولي لأنها الطرف الأقوى.”
بهذا المنطق، يصبح الاحتلال حقًا، والمقاومة جريمة، ويُلغى القانون الدولي تمامًا لصالح من يمتلك السلاح والدعم الأميركي.
وهي نفس الفلسفة التي يتبناها نظام السيسي، الذي بنى علاقاته مع تل أبيب على “ضمان أمن إسرائيل”، لا على دعم حقوق الفلسطينيين.
مصر السيسي... انحياز لا لبس فيه
موقف أبو الغيط لا يمكن فصله عن الخط العام للإعلام المصري الموالي للسيسي، والذي يُهاجم المقاومة ليلًا ونهارًا، من أحمد موسى إلى عمرو أديب وغيرهما، ممن يُقدّمون المحتل كضحية، ويُصوّرون المجازر كـ“رد فعل طبيعي”.
في المقابل، يُقدَّم قادة المقاومة كـ“مغامرين” و“مخربين”، وتُمنَع صور الضحايا الفلسطينيين من الظهور في نشرات الأخبار الرسمية.
لقد صار الإعلام الموالي للنظام جزءًا من آلة الحرب النفسية على الوعي العربي، تُشيطن المقاومة وتُجمّل التطبيع، وتُسكت الأصوات الحرة داخل مصر، سواء من العلماء أو الكتاب أو حتى المواطنين الذين يرفضون الانبطاح أمام العدو.
المقاومة ليست إرهابًا
الحقيقة التي يحاول أمثال أبو الغيط وأحمد موسى طمسها هي أن المقاومة الفلسطينية تواجه أعتى آلة قتل عرفها التاريخ الحديث، وأن كل ما تفعله هو دفاع مشروع عن النفس ضد احتلالٍ استمر لعقودٍ ينتهك فيه كل القوانين الدولية.
وإذا كانت المقاومة قد استهدفت مواقع عسكرية وأمنية داخل المستوطنات يوم السابع من أكتوبر، فالمسؤول عن سقوط المدنيين هو الاحتلال نفسه، الذي يستخدمهم دروعًا بشرية ويحتل أراضي غيره بالقوة.
السقوط الأخلاقي للنظام العربي
كلمات أبو الغيط ليست موقفًا فرديًا، بل انعكاسٌ لسقوطٍ جماعيٍّ لأنظمةٍ تخلّت عن فلسطين مقابل البقاء في الحكم.
نفس الأنظمة التي تصمت على قتل الأطفال في غزة، وتغلق المعابر أمام الجرحى، وتفتح الأبواب للتنسيق الأمني والاقتصادي مع الاحتلال.
من الطبيعي إذًا أن يتحول أمين الجامعة العربية من “صوت الأمة” إلى “صدى تل أبيب”، وأن يجد في إعلام النظام منصة لتبرير جريمة القرن.
الخلاصة عندما يُدين أمين الجامعة العربية المقاومة لا الاحتلال، فهذه ليست سقطة، بل وصمة عار على جبين النظام الرسمي العربي.
وإذا كان أحمد أبو الغيط يرى أن “الطرف الأقوى لا يلتزم بالقانون الدولي”، فليعلم أن القوة لا تصنع شرعية، وأن الدم الفلسطيني لن يُمحى بخطابٍ مُهترئ أمام كاميرا أحمد موسى.
إن المقاومة ليست جريمة، بل كرامة، ومن يهاجمها في زمن الإبادة هو شريكٌ في الجريمة، مهما لبس من بدلات رسمية، أو حمل أختام جامعة اسمها “العربية” بينما روحها باتت “إسرائيلية”.

