منذ أيام صرح وزير الموارد المائية والري هاني سويلم خلال ندوة بمجلس الأعمال المصري الكندي بأن الوزارة أجلت زيادة أسعار المياه عدة مرات بهدف تخفيف الأعباء عن المواطنين، مضيفًا: "طالما المياه مجانية ولا تحمل سعرًا، فلن يكون هناك ترشيد، وبالتالي ستستمر أسعار المياه في الارتفاع".
لكن تصريحات الوزير تتناقض مع الواقع، حيث أظهرت الفواتير المسجلة زيادة كبيرة في الأسعار، ابتداء من فاتورة فبراير 2025 بعد رصد الفارق من شهر يناير، والتي أظهرت زيادة بنسبة 65.4% في السعر، مما يثير تساؤلات حول مصداقية التصريحات الرسمية والواقع على الأرض.
الزيادة الفعلية في أسعار المياه رغم التصريحات الرسمية

 

ارتفاع أسعار المياه الفعلي

في مايو 2018، أعلنت الحكومة عن آخر زيادة رسمية في أسعار مياه الشرب والصرف الصحي، حيث تم تحديد تعريفة القطاع المنزلي وفق خمس شرائح تبدأ من 65 قرشًا للمتر المكعب وتصل إلى 3.15 جنيهًا للمتر المكعب. لكن على الرغم من ذلك، أظهرت البيانات الفعلية ارتفاعًا في الأسعار على مدار السنوات الماضية.
أحد الفرق البحثية قامت بجمع عينة تضم نحو 200 فاتورة مياه تخص 7 منازل ووحدات سكنية في ثلاث محافظات، تغطي الفترة بين 2019 وسبتمبر 2025، لرصد الأسعار الفعلية المطبقة.

 

الزيادة في الفواتير

أظهرت الفواتير المسجلة ارتفاعًا كبيرًا في التسعيرة الفعلية للمياه مقارنة بالأسعار المحددة رسميًا. ففي فاتورة منزل في القاهرة لشهر أغسطس 2025، تم احتساب سعر المتر المكعب بـ 4.4 جنيه، رغم أن التسعيرة الحكومية تحدد السعر بـ 0.65 جنيه. وبحسب الشرائح المعمول بها، كان من المفترض أن يكون السعر 0.65 جنيه، ما يعني أن المواطن دفع مبلغًا يزيد بنحو 14% عن السعر المفترض. كما أظهرت فواتير أخرى زيادة كبيرة في الأسعار، حيث سجلت فاتورة فبراير 2025 لذات المنزل زيادة بنسبة 65.4% مقارنة بالشهر السابق.

 

الارتفاع الكبير في أسعار المياه والصرف الصحي

وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفع بند "المياه وخدمات السكن" بنحو 63% بين يناير 2022 وسبتمبر 2025، رغم الإعلان الرسمي عن ثبات الأسعار منذ 2018. كما تم توثيق زيادات غير مبررة في فواتير أخرى، حيث سجلت فاتورة منزل آخر مكون من 5 وحدات سكنية في سبتمبر 2025، استهلاكًا قدره 60 مترًا مكعبًا، وبذلك كان من المفترض أن يتم احتساب سعر المتر المكعب بمعدل 1.6 جنيه، إلا أن الفاتورة أظهرت احتساب المتر بسعر 4.25 جنيه.
عوامل أخرى تؤثر في تسعير المياه والصرف الصحي

 

رسوم الصرف الصحي والضرائب الإضافية

إلى جانب تسعيرة مياه الشرب، تضم فاتورة المياه التي يسددها المواطنون رسوم الصرف الصحي التي تشكل نحو 75% من تكلفة استهلاك مياه الشرب، فضلًا عن ضريبة القيمة المضافة وبعض الرسوم الأخرى التي تم فرضها مؤخرًا، ما يعني أن أي زيادة في تسعيرة المياه تؤدي تلقائيًا إلى زيادة في إجمالي فاتورة المياه.

فواتير مياه لمنزل في منطقة النزهة بالقاهرة، التي تراوحت بين 200 و300 جنيه شهريًا خلال عامي 2023 و2024، شهدت قفزة ملحوظة في فاتورة أغسطس 2025، حيث بلغت نحو 1,078 جنيهًا، وفي سبتمبر 2025 بلغت نحو 1,075 جنيهًا.

 

مقارنة بين الفواتير القديمة والجديدة

في مقارنة بين فاتورة منزل في محافظة الغربية وفاتورة أخرى قبل 6 سنوات (في سبتمبر 2019)، تبين أن سعر المتر المكعب قد ارتفع من 1.6 جنيه إلى 4.25 جنيه خلال هذه الفترة.

 

المسؤولون ينكرون الزيادات: التكذيب الرسمي للواقع
تصريحات الحكومة

في رده على استفسارات فريق "متصدقش"، نفى المركز الإعلامي للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي وجود أي زيادات في تعريفة المياه، مؤكدًا أن التعريفة ثابتة وهي المعتمدة والمُرسَلة إلى مجلس الوزراء والمصدق عليها في 2018. ولكن التصريحات الرسمية لا تتوافق مع الواقع، حيث تبين من خلال تحليلات الفواتير أن الأسعار الفعلية قد ارتفعت بشكل ملحوظ.

 

عوامل مؤثرة في التسعير

وفي حديث مع مسؤول في أحد فروع الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي في القاهرة، أشار إلى أن هناك عوامل متعددة تؤثر في التسعير بخلاف التعريفة المعتمدة، مثل عدد الوحدات السكنية وتصنيف العقار. وأوضح المسؤول أن وزارة الري، بالتعاون مع الشركة القابضة، قامت بتعديل الشرائح الداخلية وتوسيع التصنيفات في السنوات الأخيرة، وهو ما أثر في تغيير التسعيرة.

 

التعديلات الأخيرة على الشرائح

أشار المسؤول إلى أنه بناءً على تعليمات وزارية صدرت في يوليو 2025، تم مضاعفة سعر المتر المكعب على فواتير الوحدات المخالفة أو التي لم تُنهِ إجراءات التصالح.
الأزمة المائية في مصر وتأثيرها على التسعير

 

الفجوة المائية في مصر

تواجه مصر عجزًا مائيًا سنويًا يُقاس بالفجوة بين الموارد المتجددة التي تقدر بنحو 58 مليار متر مكعب، وحجم الاستخدام الفعلي للمياه الذي يناهز 79 مليار متر مكعب. ويُعوَّض هذا العجز عبر إعادة استخدام المياه والاعتماد على المياه الجوفية، وذلك بحسب دراسة صادرة عن مركز الحلول بالجامعة الأمريكية في القاهرة.

وفي النهاية تظل التساؤلات حول مصداقية تصريحات الحكومة قائمة في ظل هذه الزيادة المستمرة في أسعار المياه التي لا تعكسها البيانات الرسمية. من الواضح أن هناك تلاعبًا في أسعار المياه، ما يعكس واقعًا اقتصاديًا يواجه المواطن المصري في ظل هذه الأزمة المائية.