تعيش مئات الأسر المصرية اليوم حالة من القلق والخوف من المجهول، بعد صدور القانون الجديد الذي يرفع القيمة الإيجارية ويمنح المستأجرين مهلة سبع سنوات فقط لمغادرة منازلهم. فالعلاقة التي كانت لسنوات طويلة تقوم على الاحترام المتبادل بين المالك والمستأجر تحوّلت مؤخرًا إلى ساحة توتر وصدام، بعدما أصبح البيت الذي عاش فيه البعض عمرًا كاملًا مهددًا بالفقد.
وخلال الأيام الماضية، تصاعدت حوادث العنف مع محاولات بعض الملاك إجبار المستأجرين على الإخلاء بالقوة، في مشهد يعكس معاناة إنسانية عميقة لأسر تخشى فقدان مأواها الوحيد.
وبينما يحاول المستأجرون البحث عن حلول تحفظ لهم حق السكن والأمان الأسري، يجد كثير منهم أنفسهم بلا بدائل حقيقية، خاصة من محدودي الدخل وكبار السن الذين لا يملكون القدرة على بدء حياة جديدة أو تحمل كلفة إيجارات السوق الحالية. فخلف كل باب مغلق حكاية امتدت لسنوات..
طفل وُلد في هذا البيت وتعلّم خطواته الأولى داخله، أمّ علّقت ذكريات عمرها على جدرانه، وأبّ قضى عمره في سداد الإيجار ليضمن لأسرته سقفًا يأويها. اليوم يشعر هؤلاء أنهم مهددون بفقدان هذا الأمان، وكأنهم أمام اقتلاعٍ قاسٍ من جذورهم الاجتماعية والإنسانية، لا مجرد خروجٍ من حجراتٍ وأربعة جدران.
ضرب وإهانة
فقد أقدم شاب في محافظة السويس على صفع رجل مسن على وجهه. الواقعة التي وثقتها ابنة المستأجر، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت ردود فعل واسعة في مصر.
وكتبت في تعليقها أن والدها غريب مبارك عبد الباسط، المقيم في شقة إيجار قديم تعرض للضرب والإهانة من قِبل مالكي العقار الذين حاولوا طردهم بالقوة.
وأضافت أن والدها مريض قلب وسكر ويعاني من فشل كلوي، لافتة إلى أن أحد المتهمين اعتدى عليها أيضًا أثناء غياب والدها، مطالبة بسرعة التدخل لحمايتهم ووقف التعدي.
وسارعت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب للتأكيد على أنها فحصت مقطعي الفيديو اللذين ظهرت فيهما ابنة المسن تستغيث من تعرض والدها للضرب ومنعه من دخول العقار محل سكنه، مشيرة إلى أنه لم ترد بلاغات رسمية بالواقعة في البداية.
وبسؤال الرجل المسن، أكد أن شقيقين تعديا عليه بالضرب لمنعه من دخول شقته المستأجرة قديمًا، وفق الوزارة، التي أكدت «ضبط المتهمين، وبمواجهتهما اعترفا بارتكاب الواقعة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وعرضهما على النيابة العامة التي تولت التحقيق».
وأصدرت النيابة العامة في محافظة السويس قرارًا يقضي بتجديد حبس المتهمين في واقعة الاعتداء لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات الجارية.
وأوضحت في بيانها الصادر الإثنين الماضي، أن قرارها بتجديد حبس المتهمين، وهما شقيقان يعملان في تجارة الملابس جاء استكمالًا لسلسلة التحقيقات المكثفة التي تباشرها بشأن الواقعة.
واقعة أخرى شهدتها منطقة شبرا الخيمة في محافظة القليوبية، عندما خرجت سيدة في مقطع مصور على «فيسبوك»، تستغيث فيه من أصحاب المنزل الذي تقطنه هي ووالدتها.
وقالت الفتاة التي تدعى سارة طارق، إنها تعاني من مضايقات مالك الشقة التي تستأجرها واعتدائه لفظيًا عليها باستمرار، وقطع الكهرباء والمياه عنها لإجبارها هي ووالدتها على تركها، ووصل الأمر لاعتداء صاحب الشقة وابنته عليها بالضرب.
وأضافت: منذ سنوات نسكن أنا ووالدتي في شقة صغيرة، إيجار قديم في منطقة شبرا الخيمة، ولكن مؤخرًا يحاول مالك العقار إجبارنا على ترك المنزل، بكل الأساليب والمضايقات، بما في ذلك مطالبتنا بسداد مصروفات إضافية غير منطقية لخدمات العقار، وبعد رفضنا اعتدى علي أنا ووالدتي بالسب والضرب هو وعائلته، وحاولنا الدفاع عن أنفسنا: ضربوني بالشومة على رأسي وأغمى علي، وتوجهت إلى المستشفى ومعي تقرير طبي.
أريد حقي
وتابعت: مشكلتنا مع مالك العقار وصلت لأقصى مراحلها منذ عام، لمحاولته مضايقتنا بكل الأشكال الممكنة لإجبارنا على ترك منزلنا الذي قضيت فيه عمري وطفولتي، ومؤخرًا بدأ هو وعائلته في الاعتداء علينا لفظيا وجسديا، واضطررنا لتحرير محضر، ولكن ما زالوا يهددونا بالطرد من المنزل، وليس لدينا مكان آخر نعيش فيه.
وأضافت: نحن حاليا نتعرض لكل أنواع البلطجة والإهانة بأسوأ الطرق الممكنة والألفاظ السيئة، غير التنمر المستمر علي لأنني أجلس على كرسي متحرك وعندي إعاقة.
واختتمت: أريد حقي منهم، وأريد أن أعيش في بيتي بسلام من غير مشاكل، لأني لا اعرف طعم النوم أو الحياة مثل الناس الطبيعيين.
ارتفاع معدلات العنف الاجتماعي
المحامي على أيوب الذي تولى الدفاع عن الفتاة، قال: إن الاعتداءات عليها مستمرة منذ ما يقرب من عام، لكنها زادت حدتها مع إقرار قانون العلاقة بين المالك والمستأجر.
وأضاف أن الفتاة كانت توجهت إلى مستشفى ناصر لإثبات ما بها من إصابات وتحرير محضر بالواقعة، وحصلنا على رقم قضائي وتجري متابعته في النيابة لدعم سارة ووالدتها والوصول إلى حقهم وحمايتهم من أصحاب البيت الذين تعدوا عليهم بالضرب وقطع المياه والسب، وفقًا لـ "القدس العربي".
وتوقع أن ترتفع معدلات العنف الاجتماعي بسبب القانون، مؤكدا أن الملاك يشعرون بالانتصار بعد إقرار القانون، وأن الكثير منهم لن ينتظروا انتهاء الفترة الانتقالية وسيحاولون استعادة الوحدات السكنية قبل هذه المدة.
وأكد أن من حق المتضرر، صاحب الصفة «المستأجر» اللجوء للمحكمة العادية لإقامة دعواه بالضرر المباشر، فتنظر المحكمة النزاع القضائي، وهنا يتم الطلب بعدم دستورية القانون، وتحيل المحكمة النزاع للمحكمة الدستورية العليا التي تنظر القانون وتحكم بدستورية أو عدم دستورية القانون.
ولفت إلى أن المواطن لا يملك حق التوجه مباشرة للمحكمة الدستورية، لكنه يملك إقامة دعوى نزاع قضائي بين طرفين، يدفع بها بأن نصًا معينًا في قانون الإيجار يخالف الدستور، وإذا وجدت المحكمة أن الدفع جاد تصدر حكمًا بوقف الدعوى الأصلية مؤقتًا، وتحيل الدفع إلى المحكمة الدستورية، التي تصدر بدورها حكمًا نهائيًا إما برفض الدفع أو بإلغاء النص المخالف للدستور.
وبدأ تطبيق قانون الإيجار القديم رسميًا في الخامس من أغسطس الماضي الذي واجه رفضا من المعارضة والنقابات المهنية والمنظمات الحقوقية، عقب إصدار قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي للقرار ونشره في الجريدة الرسمية في الرابع من الشهر نفسه.
ويأتي هذا القانون ليعيد ترتيب وتنظيم أوضاع عقود الإيجار القديمة، سواء المتعلقة بالسكن أو بغير السكن، والتي كانت تخضع منذ عقود لقوانين سابقة منها القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981.
وحسب نص القانون، فهو يهدف لوضع إطار قانوني واضح للعلاقة بين المالك والمستأجر، بما يقلل من النزاعات ويضمن العدالة للطرفين.
وحدد القانون فترات انتقالية لإنهاء العقود القديمة؛ فقد نص على فترة انتقالية تبلغ سبع سنوات لوحدات السكن، بدءًا من تاريخ نفاذ القانون، لتنتهي خلالها بشكل تدريجي عقود الإيجار السكنية القديمة. أما بالنسبة للوحدات غير السكنية مثل المحلات التجارية أو المكاتب المملوكة لأفراد طبيعيين لغير أغراض السكن، فقد تم تحديد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، وتنص مواد القانون على استمرار تمتع المستأجرين أو من امتد إليهم العقد بحقوقهم الكاملة خلال هذه الفترات الانتقالية، حتى وإن توفي المستأجر الأصلي خلال الفترة.
وتشمل الحالات التي يلزم فيها إخلاء الوحدة المؤجرة فورًا حسب القانون الجديد، بقاء الوحدة مغلقة دون استخدام فعلي ودون مبرر قانوني لمدة تتجاوز عامًا كاملًا. كذلك إذا تبيّن أن المستأجر أو من انتقلت إليه العلاقة الإيجارية يمتلك وحدة أخرى صالحة لنفس الاستعمال سواء سكنيًا أو تجاريًا، يفقد حقه في البقاء بالوحدة محل العقد، ويكون الإخلاء واجبًا. ومع نهاية الفترات الانتقالية (سبع سنوات للسكنية وخمس سنوات لغير السكنية) تنتهي العقود بشكل تلقائي ما لم يتوافق الطرفان على صيغة جديدة للعقد.
واستحدث القانون نظامًا جديدًا لتصنيف وحدات العقار والقيم الإيجارية؛ فقد تم تشكيل لجان مختصة في كل محافظة للعمل على تصنيف الأماكن المؤجرة إلى ثلاث فئات رئيسية: متميزة، متوسطة، واقتصادية.
وتعتمد هذه اللجان في تصنيفها على معايير متنوعة تشمل الموقع الجغرافي للعقار، نوعية البناء، توفر المرافق الحيوية، ومدى قرب الوحدات من شبكات الطرق والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم. وحددت القوانين المدة المسموحة لعمل تلك اللجان بثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويمكن لرئيس مجلس الوزراء تمديدها مرة واحدة فقط إذا اقتضت الحاجة.
وخلال فترة عمل اللجان وقبل انتهاء التصنيف، يلزم القانون المستأجرين بدفع أجرة مؤقتة محددة بقيمة 250 جنيهًا شهريًا.
قيم إيجارية جديدة
أما بعد انتهاء اللجان من التصنيف، فتطبق القيم الإيجارية الجديدة حسب الفئة: في المناطق المتميزة يصبح الإيجار الشهري عشرين ضعف القيمة القانونية القديمة، وبحد أدنى ألف جنيه، وفي المناطق المتوسطة يضاف عشرة أضعاف القيمة القديمة مع حد أدنى قدره 400 جنيه، بينما في المناطق الاقتصادية تُضاعف القيمة عشر مرات على الأقل بحد أدنى 250 جنيهًا. كما يتيح القانون سداد فروقات الإيجار المتراكمة بعد مراجعة التصنيف على أقساط شهرية لتجنب الأعباء المالية المفاجئة على المستأجر.

