في خطوة تكشف عن مدى قلق نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي من الفضاء الرقمي، أعلنت وزارة الأوقاف أن موضوع خطبة الجمعة القادمة سيكون عن "خطورة السوشيال ميديا ونقل الإشاعات وتفكك المجتمع".

هذا التوجيه، الذي يبدو ظاهريًا وكأنه دعوة للإصلاح الاجتماعي والأخلاقي، يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره محاولة مكشوفة لـ "القمع باسم الدين"، وتوظيفًا للمنبر الديني في خدمة الأجندة السياسية لعبد الفتاح السيسي.
ففي ظل سيطرة شبه كاملة على الإعلام التقليدي، باتت منصات التواصل الاجتماعي هي المتنفس الأخير للأصوات المعارضة والناقدة، وهو ما يسعى النظام إلى "تأميمه" وإسكاته عبر سلاح الدين.
 

المنبر الديني: أداة لتوجيه الرأي العام
لطالما كان المنبر الديني في مصر، خاصة بعد عام 2013، تحت السيطرة المشددة لوزارة الأوقاف، التي حولت خطبة الجمعة الموحدة إلى أداة فعالة لتوجيه الرأي العام وتمرير رسائل سياسية محددة.
وتأتي خطبة "خطورة السوشيال ميديا" في سياق هذا التوظيف السياسي للدين.
 

محاور الخطبة السياسية:

  • نقل الإشاعات وتفكك المجتمع: يهدف هذا المحور إلى وصم أي معلومات غير رسمية، خاصة تلك التي تكشف عن فساد أو فشل حكومي، بأنها "إشاعات" تهدد النسيج الاجتماعي، مما يخدم الرواية الرسمية التي تحصر الحقيقة في مصادر الدولة.
  • فضح الأخطاء والتجسس وتتبع العورات: يركز هذا الجانب على تجريم التعليقات النقدية أو الكشف عن أخطاء المسؤولين، ويحاول ربط النقد السياسي بالذنوب الأخلاقية، مما يخلق حاجزًا دينيًا أمام أي محاولة للمحاسبة الشعبية.
  • إن توجيه الأئمة للحديث عن هذه القضايا، بدلاً من التركيز على الأزمات المعيشية الحقيقية التي يعاني منها المواطنون، يؤكد أن الهدف ليس إصلاح المجتمع، بل حماية النظام من النقد الذي يتصاعد عبر هذه المنصات.
     

السوشيال ميديا: الفضاء الوحيد الذي يقلق النظام
يُدرك نظام السيسي أن السوشيال ميديا تمثل الفضاء الإعلامي الوحيد الذي لم يتمكن من إخضاعه بالكامل.
فبعد تكميم الأفواه في الصحف والقنوات التلفزيونية، أصبحت منصات مثل فيسبوك وتويتر (X) ويوتيوب هي الملاذ الأخير للمعارضة والمواطنين للتعبير عن غضبهم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

إن التحذير من "خطورة السوشيال ميديا" هو في جوهره تحذير من حرية التعبير التي توفرها هذه المنصات.
النظام يريد "شعبًا لا يسمع سواه"، ويسعى إلى تأميم الفضاء الإعلامي بالكامل، بما في ذلك الفضاء الافتراضي.
وعندما تفشل أدوات القمع القانونية والأمنية في السيطرة على هذا الفضاء، يتم اللجوء إلى سلطة الدين لإضفاء شرعية على الرقابة الذاتية وتخويف المواطنين من التعبير عن آرائهم.
 

التناقض الأخلاقي: تجريم النقد وتجاهل الفساد
يواجه هذا التوجيه الديني انتقادًا لاذعًا بسبب التناقض الأخلاقي الصارخ.
فبينما تحذر الخطبة من "التجسس وتتبع العورات"، يمارس النظام نفسه أقصى درجات التجسس والمراقبة على المواطنين والنشطاء عبر الإنترنت، ويتم اعتقال الآلاف بسبب منشوراتهم على هذه المنصات.

إن محاولة تجريم "نقل الإشاعات" تأتي في وقت تتصاعد فيه أزمات حقيقية، مثل نقص الأدوية وارتفاع الديون، وهي قضايا يحاول الإعلام الرسمي التعتيم عليها.
وبدلاً من أن يستخدم المنبر الديني لمطالبة المسؤولين بالشفافية والعدل، يتم استخدامه لتجريم من يطالبون بهذه الحقوق.
هذا الاستغلال للدين يهدف إلى إحداث تفكك مجتمعي من نوع آخر، حيث يتم تقسيم المواطنين بين "ملتزم" يتبع الرواية الرسمية و"مفتون" يجرؤ على النقد.

وفي النهاية فإعلان وزارة الأوقاف عن خطبة الجمعة حول "خطورة السوشيال ميديا" ليس مجرد توجيه ديني، بل هو فصل جديد في مسلسل تأميم الفضاء العام في مصر.
إنه دليل على أن النظام يرى في كل صوت مخالف، حتى لو كان مجرد تعليق على صورة، تهديدًا وجوديًا يجب قمعه.

وباستخدام المنبر الديني، يسعى النظام إلى إضفاء قداسة على الرقابة، وتحويل النقد المشروع إلى "إشاعة" و"فتنة"، في محاولة يائسة لإسكات أي صوت يرفض أن يرضخ لإرادة الحاكم.